
يُعد شهر رمضان بمثابة فرصة روحية عظيمة للتقرب من الله وتطهير النفس والجسد، لكن، وبينما يركز العديد من الأشخاص على الجوانب الروحية لهذا الشهر، يغفل البعض الآخر عن تأثيره على الصحة النفسية، فالتغيرات التي تطرأ على نمط الحياة، بما في ذلك تغير مواعيد النوم وتغذية الجسم، قد تحمل بعض التحديات النفسية التي تحتاج إلى إدارة واعية لتفادي آثارها السلبية
لهذا السبب، من الضروري أن نبحث في العلاقة بين رمضان والصحة النفسية، ونفهم التأثيرات الإيجابية والسلبية للصيام على العقل، وكيف يمكن للفرد الحفاظ على توازنه النفسي خلال هذا الشهر الفضيل.
في هذا السياق، يقول الدكتور أحمد العابد، أخصائي الطب النفسي، “الصيام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، بل هو أيضًا تجربة نفسية وروحية قد تؤثر على الحالة المزاجية والعاطفية للفرد، حيث تتيح هذه الفترة فرصة لتحسين القدرة على التحكم في النفس والانضباط، لكنها قد تؤدي في الوقت نفسه إلى اضطرابات نفسية خاصة للأشخاص الذين لا يتبعون نمط حياة صحي متوازن خلال رمضان”.
و يشير الدكتور العابد إلى أن تقلبات المزاج قد تكون شائعة خلال الشهر، نتيجة لتغيير مواعيد النوم ونقص بعض العناصر الغذائية الأساسية في الجسم، مثل السكر والكافيين.
الصيام، رغم تأثيراته الروحية العميقة، يمكن أن يساهم في تحسين الصحة النفسية بشكل عام، فوفقًا للدكتور زينب منصوري، أخصائية الصحة النفسية، فإن التفاعل بين الجوانب الروحية والتغييرات البيولوجية التي يحدثها الصيام يمكن أن يعزز مشاعر السلام الداخلي، ف”عندما يلتزم الفرد بممارسة العبادات بانتظام خلال رمضان، فإنه يواجه تحديًا داخليًا يعزز من قدرته على تحمل الضغوط النفسية، العبادة تمنح الفرد شعورًا بالطمأنينة، وتساعد في تقليل مستويات القلق والاكتئاب”، تقول الدكتور منصور.
لكن رغم هذه الفوائد، يعترف الأطباء بأن رمضان يمكن أن يمثل تحديًا نفسيًا لبعض الأشخاص، لا سيما لأولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو قلق مزمن، و تحدثت الدكتورة فاطمة يوسف، استشارية الطب النفسي، عن تأثير رمضان على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم أو القلق الشديد: “التغيرات في مواعيد النوم وتناول الطعام تؤثر بشكل مباشر على المزاج والتركيز.
و هناك خطر أن يؤدي اضطراب النوم إلى زيادة مستويات القلق أو حتى الاكتئاب لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات، لذا فإن الحصول على ساعات كافية من النوم والنظام الغذائي السليم خلال الشهر أمر أساسي للحفاظ على الصحة النفسية”.
من أبرز العوامل التي تلعب دورًا مهمًا في التأثير على الصحة النفسية خلال رمضان هو النوم، يوضح الدكتور سامير بلفقيه، أخصائي النوم، أن “قلة النوم يمكن أن تؤدي إلى الإرهاق والتوتر، وهو ما ينعكس على الأداء العقلي والجسدي، و من الأفضل للأفراد تخصيص وقت للنوم بين الإفطار والسحور، وأن يلتزموا بساعات نوم ثابتة لتفادي تأثيرات نقص النوم على المزاج”، كما يشير إلى أهمية القيلولة القصيرة خلال النهار لتعويض نقص النوم وتحسين التركيز.
من جهة أخرى، يُعتبر النظام الغذائي المتوازن أحد الأسس المهمة للحفاظ على التوازن النفسي خلال رمضان، حيث يشدد الخبراء على ضرورة أن تكون الوجبات خلال الشهر مليئة بالعناصر الغذائية التي تدعم الطاقة العقلية والجسدية، مثل البروتينات والكربوهيدرات المعقدة، و وفقًا للأستاذة هالة عبد الله، أخصائية التغذية، “الإفراط في تناول الأطعمة الدهنية أو السكرية يمكن أن يؤدي إلى تذبذب في مستويات الطاقة والمزاج، و من الأفضل تناول وجبات خفيفة ومتوازنة، بالإضافة إلى شرب الماء بكميات كافية، للحفاظ على مستويات السكر في الدم متوازنة وتقليل التوتر النفسي”.
أما في ما يتعلق بالجانب الروحي والاجتماعي، فإن رمضان يوفر فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية، وهو ما يعزز الصحة النفسية بشكل كبير.
في هذا السياق، يقول الدكتور طارق منصوري، أستاذ علم النفس الاجتماعي، “الوجود مع العائلة والأصدقاء خلال رمضان يساعد في الحد من الشعور بالوحدة ويقوي مشاعر الانتماء، هذه التجمعات تساهم في تحسين الصحة النفسية، حيث يعزز الشعور بالدعم الاجتماعي من قدرة الشخص على مواجهة التحديات النفسية”. يضيف الدكتور منصوري أن الشعور بالوحدة في رمضان يمكن أن يكون له آثار سلبية على الصحة النفسية، خاصة للأشخاص الذين يعيشون بمفردهم أو بعيدًا عن أسرهم.
للتعامل مع هذه التحديات، من المهم أن يطور الأفراد استراتيجيات للتغلب على ضغوط رمضان النفسية، وأحد أهم النصائح التي يقدمها الأطباء هو ضرورة تنظيم الوقت، و ذلك بتخصيص الفرد وقتًا للاسترخاء والأنشطة التي تساهم في تعزيز الاستقرار النفسي، مثل القراءة أو التأمل. كما ينصح الأطباء باستخدام تقنيات التنفس العميق والتمارين البدنية الخفيفة، مثل المشي بعد الإفطار، لتحفيز إنتاج الإندورفينات التي تساهم في تحسين المزاج.
وفي الختام، يظل رمضان فترة ذات تأثيرات نفسية وروحية عميقة، وتتناول الأبحاث والدراسات هذه التأثيرات بشكل موسع، وبينما يحمل هذا الشهر المبارك العديد من الفوائد النفسية، إلا أن التحديات التي قد تنشأ نتيجة للتغيرات الحياتية تتطلب توازنًا ووعيًا من الأفراد للحفاظ على صحتهم النفسية، ووفقًا لما أكده العديد من الأخصائيين، يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال اتباع نمط حياة متوازن يشمل التغذية السليمة، والنوم الكافي، والانخراط في الأنشطة الروحية والاجتماعية، مما يساهم في جعل رمضان تجربة صحية وعاطفية مميزة.