
وسط أزمة غلاء طاحنة ضربت قطاع الدواجن في المغرب، يجد المواطن البسيط نفسه محاصراً بين ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وعجز حكومي عن التدخل لكبح جماح المضاربين، فبعدما كان لحم الدجاج الملاذ الأخير لكثير من الأسر المغربية في ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والأسماك، بات هو الآخر بعيد المنال، مدفوعاً بارتفاع أسعار الكتكوت الذي يشكل الحلقة الأولى في سلسلة الإنتاج.
ورغم أن هذه الأزمة تبدو في ظاهرها مرتبطة بتكاليف الإنتاج أو تقلبات السوق، إلا أن تحقيقاً أعمق يكشف عن سيطرة شبه مطلقة للوبي نافذ يحتكر محاضن الكتكوت، مستغلاً الدعم الحكومي لتحقيق أرباح خيالية على حساب المربين والمستهلكين.
شبكة احتكار تمتد من المحاضن إلى الأسواق
يعد إنتاج الكتكوت حجر الأساس في قطاع الدواجن، حيث يحدد سعره بشكل مباشر كلفة الإنتاج النهائية، وتشير المعطيات إلى أن عدد المحاضن في المغرب يفوق 60 محضناً، تنتج أسبوعياً نحو 12 مليون كتكوت، في الظروف الطبيعية، يُفترض أن يكون السعر العادل الذي يسمح للمربين بتحقيق هامش ربح معقول هو 4 دراهم للكتكوت، غير أن الواقع مختلف تماماً، حيث عمد أصحاب المحاضن إلى فرض سعر موحد يبلغ 14 درهماً، مما يحقق لهم أرباحاً أسبوعية تصل إلى 12 مليار سنتيم.
تثير هذه الأرقام تساؤلات حول آليات التسعير، ومدى وجود اتفاقات ضمنية بين كبار المنتجين لإبقاء الأسعار مرتفعة، في غياب أي رقابة صارمة من الجهات المختصة.
رؤوس أموال نافذة ودعم حكومي يستغل بطرق مشبوهة
تحوّل قطاع محاضن الكتكوت إلى مجال مغرٍ لرجال أعمال نافذين، استفادوا من امتيازات ضخمة في إطار مخطط المغرب الأخضر، حيث حصلوا على دعم استثماري يغطي 30% من تكلفة إنشاء المحاضن، حيث كان الهدف من هذه المساعدات هو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير لحوم الدواجن بأسعار معقولة، إلا أن الواقع كشف عن استغلال هذه الامتيازات لمراكمة الثروات، و بدلاً من الالتزام بشروط المنافسة العادلة، يلجأ بعض هؤلاء المستثمرين إلى التهرب الضريبي عبر التلاعب بالفواتير، حيث لا يتم التصريح بالسعر الحقيقي للكتاكيت، مما يفاقم الأزمة ويضر بالاقتصاد الوطني.
رفض الاستيراد.. قرار لحماية الإنتاج المحلي أم لتكريس الاحتكار؟
أمام الارتفاع المهول في أسعار الكتكوت، كان من المفترض أن تتدخل الحكومة لفتح باب الاستيراد من دول مثل إسبانيا، حيث لا يتعدى سعر الكتكوت هناك 5 دراهم، غير أن هذا الخيار ظل معطلاً، وسط حديث عن ضغوط يمارسها لوبي المحاضن داخل دوائر القرار لمنع أي خطوة قد تهدد أرباحهم الطائلة.
وتشير مصادر مهنية إلى أن هؤلاء المتحكمين في السوق مستعدون لفعل أي شيء لعرقلة استيراد الكتاكيت، حفاظاً على مكاسبهم الضخمة، حتى لو كان ذلك على حساب المربين والمستهلكين.
المربون في مواجهة الإفلاس والقطاع مهدد بالانهيار
أكبر الخاسرين في هذه المعادلة غير العادلة هم الفلاحون المربون، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين أسعار مرتفعة للكتاكيت وتكاليف إنتاج متزايدة، دون أن يتمكنوا من تحقيق هامش ربح معقول، إذ يصل سعر بيع الدجاج بالجملة حالياً إلى 15-16 درهماً للكيلوغرام، وهو بالكاد يغطي التكاليف. وزاد الوضع سوءاً خلال الأسابيع الماضية مع تفشي أمراض فتّاكة أودت بحياة أعداد كبيرة من الدواجن، ما جعل العديد من المربين على حافة الإفلاس، في ظل غياب أي دعم حكومي لتعويض خسائرهم.
“شناقة التوزيع”.. حلقة إضافية تضاعف الأسعار
إلى جانب الاحتكار في مرحلة الإنتاج، يعاني القطاع أيضاً من سيطرة وسطاء التوزيع، الذين يفرضون على المربين بيع الدجاج بالجملة لهم بأسعار متدنية، ليعيدوا بيعه لبائعي التقسيط بأسعار أعلى، محققين أرباحاً ضخمة على حساب المربين والمستهلكين، و تساهم هذه الحلقة الوسيطة بشكل كبير في تضخيم الأسعار، حيث يضيف الموزعون هامش ربح لا يقل عن درهمين لكل كيلوغرام، بينما يضيف بائعو التقسيط نحو 3 دراهم أخرى، ما يرفع السعر النهائي إلى حدود 21 درهماً للكيلوغرام، في وقت كان يمكن تخفيضه إلى 17 درهماً فقط لو تدخلت الحكومة لضبط الأسعار وكبح المضاربة.
المستهلك المغربي الضحية الأكبر.. فأين الحل؟
في ظل هذا الوضع، يتحمل المواطن المغربي العبء الأكبر، إذ يؤدي ارتفاع سعر الكتكوت بـ 10 دراهم إلى زيادة 5 دراهم في سعر الكيلوغرام من الدجاج، وهو ما يرهق القدرة الشرائية للأسر، ويؤكد المهنيون أن الحل لا يحتاج إلى إجراءات معقدة، بل يكفي أن تتدخل الحكومة لإعادة سعر الكتكوت إلى مستواه العادل، مما سينعكس فوراً على انخفاض سعر الدجاج في الأسواق.
تظهر التركيبة الحقيقية لسعر الدجاج أن الفلاح يشتري الكتكوت بـ 14 درهماً، وينفق نحو 16 درهماً على العلف، إضافة إلى درهمين كتكاليف أخرى، ليصل سعر إنتاج دجاجة بوزن كيلوغرامين إلى 32 درهماً، أي 16 درهماً للكيلوغرام، قبل أن يضيف الموزعون وبائعو التقسيط هوامش ربحهم، مما يرفع السعر النهائي إلى أكثر من 21 درهماً.
و أمام هذا الوضع، يبقى السؤال الملحّ: هل ستتخذ الحكومة إجراءات صارمة لكبح نفوذ هذا اللوبي، أم أن المربي والمستهلك سيظلان رهينين لجشع كبار المتحكمين في السوق؟