
إننا نشبه دولتنا في ضعف ديمقراطيتنا..هدى سحلي تكتب: ليست السلطة وحدها من تمارس التضييق على الصوت المخالف
من المثير للقلق، والكثير من الإحباط، أنه كلما تطلعنا لتكريس الديمقراطية ضاقت بنا، وكلما تقدم الزمن زادت حساسية المغاربة تجاه الصوت المخالف، بدلًا من أن نصبح أكثر تسامحًا مع الاختلاف، بتنا أكثر ميلًا إلى إسكاته، إما بالضغط الاجتماعي أو بالتشهير، أو حتى بالملاحقات القانونية.
تحولت حرية التعبير من مبدأ يُفترض أن يكون مكفولًا للجميع إلى شعار يُرفع انتقائيًا، وفق المصالح والانتماءات.
لم يعد الصوت المخالف يُناقَش بالحجة، بل يُواجَه بالإقصاء، وكأن الإجماع القسري أصبح ضرورة لضمان القبول في الفضاء العام.
واليوم، لا يواجه، كما لا يمارس هذا الرفض تيار معين أو توجه محدد، بل كل من يخرج عن الخطاب السائد، سواء كان صحافيًا، أكاديميًا، ناشطا حقوقيا أو مدنيا، أوحتى مواطنًا عاديًا يعبر عن رأيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فأصبحت كل التيارات والتوجهات فاعلا ومفعولا بها في ما يتعلق بقمع الصوت المخالف، باختلاف الفضاءات والآليات والعقوبات
حالة المهداوي والشرقاوي: ديمقراطية بمزاج انتقائي
الصحافي حميد المهداوي نموذج صارخ لهذه المفارقة. رجلٌ لم يكن سوى صحفي يطرح أسئلة مشروعة، صحيح بطريقته وأسلوبه الذي قد لا يجده البعض إلا امتدادا لخطاب شعبوي، لكنه يظل خطابا له مستمعوه من الرأي العام، وهم ليسوا قلة.
ليجد نفسه في كل مرة وربما بعد كل حلقة من حلقات البودكاست الذي يعده ويبثه على قناة اليوتوب، أمام شكايات وملاحقات قضائية تكاد لا تنتهي.
وبينما يفترض أن تكون الصحافة سلطة رابعة، تحولت إلى مهنة محفوفة بالمخاطر، حيث قد يُفسر كل تساؤل على أنه تجاوز للخطوط الحمراء.
في الجهة المقابلة والمعاكسة تماما، تمثل حالة عمر الشرقاوي، الأكاديمي والمحلل السياسي، الذي قرر مؤخرا دخول عالم المحتوى الرقمي عبر بودكاست “بالعقل والقانون” ليعيد النقاش حول قضايا جوهرية في الشأن السياسي المغربي، انطلاقا من المبادئ التي يؤمن بها والقناعات التي تحكمه، ليعبر عن آرائه. هو الآخر لم يسلم من حملات التشويه والاتهامات الجاهزة ( بودكاست موجه؛ مخزني؛ تقليد أعمى؛ لماذا تتحدث عن هذه القضية ولا تتحدث عن تلك)
وكأن مجرد التعبير عن آراء مخالفة أو حتى تخدم جهات معينة أو تصورات لا تلائم جهة أخرى، أصبح جريمة تستوجب العقاب الأخلاقي والمجتمعي.
الإجماع الإجباري: الوجه الآخر للقمع
ليست السلطة وحدها من تمارس التضييق على الصوت المخالف، ونحن أدرى بحجم التضييق الممارس على النشطاء/ الناشطات والمدونين /المدونات والأحكام القضائية التي طالتهم لمجرد انهم وأنهن عبروا عن آراء مختلفة ولا يراد لها أن تُقال أو تُسمع، وآخرها الحكم على المدون والناشط رضوان القسطيط بسنتين حبسا. وقبله حملة التشويه والدعوة إلى الاقصاء التي تعرض لها رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان على خلفية تصريحاته بشأن الصحراء المغربية.
المجتمع، والديمقراطيون أيضا، عبر ثقافة الإقصاء والعنف الإلكتروني. ولابدّ أننا جميعا عاينا ولاحظنا هذا القمع الالكتروني للآراء، بل وتعرضنا لها من داخل التيارات التي نزعم أننا ننتمي لها، أما المخالفين لنا فحدث ولا حرج، ما يثبت أن المجتمع نفسه يضيق ذرعًا بمن يخرج عن الصورة التي رسمها له.
إلى أين نسير؟
ما يحدث اليوم يعكس تناقضًا صارخًا: نطالب بالديمقراطية، لكننا نخشى نتائجها، نرفع شعار التعددية، لكننا لا نحتمل رأيًا مغايرًا. فهل نحن فعلا مستعدون لتقبل الاختلاف؟ أم أننا فقط نريد ديمقراطية بمقاسنا، حيث لا يُسمح إلا للأصوات التي تعزز قناعاتنا وتطمئننا إلى صحة مواقفنا؟
عن نفسي لا أدرك الجواب، ولا أستوعب مكمن المشكل، هل العلة فينا؟ هل هو رد فعل لفعل عنيف؟ هل طبيعي ان يكون رد فعلنا (وأقصد ب نا الجماعة هنا، كل من يفترض فيه النضال من أجل التغيير) مشابها ومماثلا لخصمنا فإن قمع نقمع، عوض أن يشبه رد فعلنا قيمنا وقناعاتنا؟ أو ربما نحن بكل بساطة لم نتملّك بعد الثقافة الديمقراطية ولا ندري كيف نمارسها؟
لكن ما أعرفه ومقتنعة به لدرجة كبيرة أننا نشبه دولتنا في ضعف ديمقراطيتنا، ومثلها يزعجنا الصوت المخالف.