الوترة: عندما تصطدم الأوتار بمعزوفة الواقع القاسي… وتتشابك خيوط الفن بالدين والمخدرات
09/04/2025
0
تحرير: جيهان مشكور
في سياق المنافسة القوية التي تشهدها دور العرض المغربية، يدخل المخرج إدريس الروخ الساحة السينمائية من جديد بفيلم جريء يحمل عنوان “الوترة”، عمل يحاول أن يغوص في أعماق المجتمع المغربي من خلال قصة مشوقة تمزج بين الفن الشعبي، المآسي الاجتماعية، وتقاطعات الدين بالمخدرات.
يُعرض “الوترة” ابتداءً من السادس عشر من أبريل، ليصطدم بعدد من الأفلام المغربية التي بصمت على نجاحات في الشهور الأخيرة، منها “ماي فراند”، “حادة وكريمو”، “روتيني” و”زعزوع”، مما يجعل من دخول الروخ هذه المنافسة تحدياً فنياً وتجاريًا في آنٍ واحد، لكن ما يميز هذا العمل ليس فقط التوقيت ولا الأسماء التي شاركت فيه، بل عمق الموضوعات التي يطرحها وشجاعة المعالجة السينمائية التي اعتمدها مخرجه.
يتتبع الفيلم مسار “شعيبة”، فنان شعبي يعزف على آلة الأوتار، يقرر مغادرة قريته نحو المدينة بعدما عصفت به موجات الجفاف واليأس، و يترك خلفه الأرض والهدوء والحلم البسيط، ليحط الرحال في قلب مدينة الدار البيضاء الصاخبة، حيث يجد نفسه تحت جناح ابن خالته “محيريش”، الرجل الغامض الغارق في شبكات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، وبين لحظة وأخرى، تنقلب حياة شعيبة رأساً على عقب، فبدلاً من أن يجد في المدينة فرصة جديدة للحياة، يتيه في عوالم الملاهي الليلية، ويتحول من فنان بسيط إلى مجرد ترس صغير في ماكينة فساد عملاقة، وشيئاً فشيئاً، يفقد أسرته، ماله، وحتى هويته الفنية والإنسانية.
هذا التحول الدراماتيكي لا يأتي فقط من فراغ درامي، بل يُبنى تدريجياً في حبكة تتشابك فيها الدوافع النفسية، الخلفية الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية المعقدة، واللافت أن الفيلم لا يكتفي برسم ملامح الانهيار الفردي، بل يوسع عدسة التصوير ليعكس واقع الأحياء الهامشية التي تهيمن عليها سلطات خفية وأقوياء يفرضون منطقهم في غياب العدالة والفرص.
إدريس الروخ عبّر عن رضاه الكبير عن التفاعل الذي ناله “الوترة” في عرضه الأول خلال المسابقة الرسمية لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة، معتبراً أن تجاوب الجمهور شكل دليلاً على أن الفيلم نجح في ملامسة الواقع المغربي بأدوات فنية قريبة من المتلقي، سواء من حيث القصة، الأداء، أو الموسيقى.
وقد أكد أن الفيلم لا يكتفي بسرد مأساة فرد، بل يستعرض كيف يمكن أن تقود الهشاشة الاجتماعية إلى السقوط في أحضان المافيا واستغلال الدين لأغراض دنيئة.
وعلى الرغم من الصعوبات الإنتاجية التي تواجهها السينما المغربية، خاصة فيما يتعلق بالإمكانات التقنية والفنية، تمكن فريق “الوترة” من تخطي هذه العقبات، مستفيدين من تجربة غنية ومقاربة مغربية خالصة تمنح الفيلم خصوصيته وتميزه داخل المشهد السينمائي المحلي.
قدم العمل السينمائي أيضا تجربة استثنائية للفنان الشعبي حميد السرغيني، الذي لم يكتف بتجسيد دور البطولة، بل خاض لأول مرة تجربة الإنتاج السينمائي، وقد عبّر عن سعادته الكبيرة بهذا المشروع الذي لطالما حلم بتحقيقه، رغم العراقيل ورفض العديد من المنتجين الانخراط فيه، بالنسبة له، لم يكن يتوقع أن يجد الفيلم طريقه إلى مهرجان بحجم مهرجان طنجة، مما يعزز من رغبته في الاستمرار في إدماج الفنان الشعبي في السينما المغربية، دون تقليد التجربة المصرية، بل بتطوير مسار فني يحتفظ بالهوية المغربية الأصيلة.
من جانبها، سحر الصديقي قدّمت دورًا نسائيًا قوياً يعكس واقع العديد من النساء اللواتي يكتشفن، بعد سنوات من التضحية، أنهن كنّ ضحايا لخيانة جسدية أو معنوية، وتصف الفيلم برسالة واضحة موجهة لكل زوج يظلم زوجته معتقدًا أن الحياة لا تدور، حيث أكدت في تصريحاتها أنها تسعى باستمرار لتجنب النمطية في اختياراتها الفنية، وتحرص على تقديم شخصيات متباينة تعكس التنوع الإنساني والتحديات الواقعية التي تواجهها المرأة المغربية.
“الوترة” ليس فقط فيلماً عن الانحدار أو الخيانة، بل هو محاولة فنية جريئة لتفكيك العلاقات المتشابكة بين الفقر، السلطة، الدين، والفن الشعبي.
إنه مرآة لعالم يختلط فيه الحلم بالكابوس، حيث يمكن لآلة موسيقية بسيطة أن تتحول إلى شاهد على مأساة مجتمع بأكمله، يسير بخطى متسارعة نحو المجهول.