الرئسيةحول العالمموضة

بين الأناقة والفضيحة: هل للموضة حدود بميت غالا؟

في أمسية مترفة من الأناقة والتأويلات البصرية، خطفت جورجينا رودريغز الأضواء في حفل “ميت غالا” 2025، ليس بفضل فخامة ما ارتدته، بل بسبب الجدل العاصف الذي أثارته إطلالتها،اقيم الحفل في متحف متروبوليتان للفنون بنيويورك، ليتحوّل إلى ساحة مفتوحة للنقاش الحاد بين المعجبين والمنتقدين، بعدما ظهرت جورجينا بفستان حريري أسود طويل بتصميم حمل توقيع غورام غفاساليا، المديرة الإبداعية الحالية لدار “Vetement”، وتميّز بفتحة ساق جريئة وتفاصيل دانتيل شفافة، واختتمت الإطلالة بتسريحة الشعر المبلل ومكياج نيود خفيف.

ورغم أن بعض التعليقات الإيجابية لم تغب تمامًا، فقد طغى طابع الاستياء على مجمل ردود الفعل، إذ شبّه كثيرون الفستان بقميص نوم فاخر أو حتى بقطعة لانجري لا تليق بمقام حدثٍ عالمي مثل ميت غالا، حيث يتوقع الجمهور إطلالات تحمل طابعاً فنياً متكاملاً يتماشى مع موضوع الحفل وسياقه الجمالي.

موجة النقد

جاءت هذه الموجة من النقد لتقلب الصورة التي رسمتها رودريغز عن نفسها في السنوات الأخيرة، والتي عُرفت خلالها بذوقها الرفيع وتأنّيها في اختيار الأزياء، خصوصًا خلال مشاركاتها المتعددة في أسابيع الموضة بمدن مثل باريس وميلانو.

ففي عرض دار “فالنتينو”، تألقت بإطلالة كلاسيكية لاقت استحسانًا واسعًا، جمعت فيها بين معطف طويل وثوب زهري وتسريحة شعر ريترو استحضرت أناقة الخمسينات.

وفي عرض “إيلي صعب”، بدت أكثر جرأة وأناقة بفستان مزيّن بالريش وتسريحة عصرية نالت إعجابًا من جمهورها ونقّاد الموضة على حد سواء، هذا التباين بين النجاحات السابقة وإطلالة ميت غالا الأخيرة يعيد تسليط الضوء على طبيعة العلاقة المتوترة والمعقّدة بين الموضة وصورة المشاهير.

في هذا السياق، لا يمكن الاكتفاء بقراءة الفستان ضمن نطاق التصميم فقط، بل لا بد من فهمه ضمن ما تمثله الموضة كأداة رمزية في تشكيل هوية النجم أمام الرأي العام.

فالمشاهير لا يختارون ملابسهم عبثًا، بل يدركون أن كل إطلالة تحمل رسالة، وأن السجادة الحمراء فضاء مشحون بالمعاني، يُترجم فيه الجسد والذوق الشخصي إلى موقف بصري، و بالنسبة لجورجينا، التي تسعى منذ فترة لتجاوز صورة “صديقة النجم”، قد تكون هذه المغامرة الجمالية محاولة جديدة لترسيخ نفسها كاسم مستقل في عالم الأزياء، لكن ما حدث يبرهن أن هذه المخاطرة لم تُقرأ بالطريقة التي توقعتها.

التفاعل الجماهيري السلبي

فالتفاعل الجماهيري السلبي يعكس أيضًا اختلالاً في العلاقة بين التوقّعات الثقافية وبين حرية التعبير الفردي في الموضة، فبينما تنال فساتين أكثر جرأة من نجمات أخريات استحسانًا كبيرًا، وُوجهت رودريغز بموجة حادة من السخرية والتقليل، مما يطرح تساؤلات مشروعة حول ازدواجية المعايير في تقييم إطلالات المشاهير، وحول الخلفيات الاجتماعية والرمزية التي تحكم هذه الأحكام الجماعية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بشخصيات مثيرة للجدل على مستويات مختلفة.

الأمر لم يتوقف عند الانتقادات بل امتد إلى مقارنات أغضبت كثيرين، بعدما حاولت بعض صفحات الموضة الربط بين إطلالة جورجينا وفستان شهير ارتدته الأميرة ديانا في حفل ميت غالا عام 1996، فستان ديانا، المصمم حينها من قبل جون غاليانو، حمل طابعاً أيقونياً لا يزال محفوراً في ذاكرة الموضة العالمية، وقد أتى ضمن أولى مهام غاليانو كمدير إبداعي في دار “ديور” خلال حفل تمحور موضوعه حول كريستيان ديور نفسه، إطلالة الأميرة البريطانية امتزجت فيها الأناقة الملوكية بالدقة التصميمية العالية، وكان فستانها الكحلي المطرز بالدانتيل الأسود بمثابة لحظة خالدة، يصعب مقارنتها بأي ظهور آخر، ولهذا رفض كثير من المتابعين هذا التشبيه، معتبرين أن الفارق في الرسالة والرمزية والبناء البصري واضح بما لا يقبل الالتباس.

تضخيم السجال من طرف وسائل الإعلام

كشفت المقارنة نفسها عن ميل بعض وسائل الإعلام إلى تضخيم السجال بغرض الإثارة، لكنها في المقابل أعادت فتح النقاش حول سؤال أساسي: كيف تُبنى صورة النجم، ومن يملك السلطة في تشكيلها؟ فالشهرة، في زمن السرعة الرقمية، لم تعد تقتصر على الأداء أو الموهبة، بل باتت ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإطلالة، باللحظة، وبالطريقة التي يُلتقط بها الضوء على السجادة الحمراء.

وضمن هذا السياق، تصبح الموضة ميدانًا للمجازفة بقدر ما هي ساحة للاحتفاء، حيث كل خطأ يُضخّم، وكل خيار يُفكك، وكل فستان قد يتحوّل إلى اختبار قاسٍ لمكانة صاحبه في عالم لا يرحم.

جورجينا رودريغز، وإن بدت هذه المرة في مرمى الانتقادات، فإنها تدرك بلا شك أن الضجيج ليس بالضرورة دليل فشل، بل قد يكون – في عالم المشاهير – مؤشراً على الحضور، وبين من يرى في فستانها تجاوزًا غير مقبول، ومن يقرأه كبيان جريء للتمرد على القوالب التقليدية، تظل الحقيقة أن الموضة، كصورة وكقوة ناعمة، لا تزال سيدة الموقف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى