الرئسيةسياسة

استمرار غياب الشفافية الرقمية بالجماعات الترابية

في سياق يتسم بتنامي الدعوات إلى الشفافية وتعزيز الحق في الحصول على المعلومات، كشف تقرير جديد صادر عن مركز الأبحاث “طفرة” عن مفارقات صارخة تهم التزام الجماعات الترابية المغربية بمقتضيات القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في المعلومة، خاصة على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم.

يشكل التقرير النسخة الرابعة من سلسلة تقارير سنوية، تهدف لرصد جهود الجهات في تطوير منصات رقمية لإتاحة المعلومات، وتكشف عن الاختلالات البنيوية في حجم ونوعية البيانات المنشورة، خصوصاً تلك ذات الطابع المالي.

12 جهة إدارية لا تتوفر سوى ثمان منها على مواقع إلكترونية رسمية

ففي مشهد يضم 12 جهة إدارية، لا تتوفر سوى ثمان منها على مواقع إلكترونية رسمية، وهي بني ملال-خنيفرة، الدار البيضاء-سطات، كلميم-واد نون، فاس-مكناس، مراكش-آسفي، الشرق، سوس-ماسة، وطنجة-تطوان-الحسيم، أما جهات الرباط-سلا-القنيطرة، درعة-تافيلالت، والعيون-الساقية الحمراء، فلا تزال تفتقر إلى أي منصة رقمية  حرية التعبير بما يتعلق بوسائل الاتصال وشبكة الإنترنت.[1][2][3]، وهو معطى مثير للقلق بالنظر إلى مكانة هذه الجهات وحجم التحديات التنموية التي تواجهها.

فيما تقدم و بشكل متفاوت، الجهات الثمانية التي وفرت مواقع إلكترونية مجموعة من البيانات، تتركز في أغلبها حول المشاركة المواطنة، مثل تشكيلة المجالس، أسماء الأعضاء، اللجان، جداول الأعمال وبيانات الاتصال، لكن ما يبدو لافتاً هو التراجع الكبير في نشر البيانات ذات الطابع المالي، إذ لا تقوم سوى جهة بني ملال-خنيفرة بنشر ميزانياتها السابقة إلى جانب تقارير التقييم والتدقيق والمراقبة، مما يعكس التزاماً أكثر جدية بالمعايير الدولية في الشفافية المالية.

في ما يخص آليات الاستشارة المسبقة مع المواطنين، أظهرت الجهات الثمانية توجهاً إيجابياً نحو دمج هذه الآليات في مواقعها الإلكترونية، غير أن الشفافية الفردية تبقى منعدمة تقريباً، إذ لم تنشر سوى جهة فاس-مكناس أسماء الموظفين المكلفين باستقبال طلبات الحصول على المعلومات، ما يطرح علامات استفهام حول النجاعة الفعلية لقنوات التفاعل المفتوحة أمام المواطنين.

تراجع مقلق في نشر البرامج التوقعية للصفقات العمومية

من جانب آخر، سجل التقرير تراجعاً مقلقاً في نشر البرامج التوقعية للصفقات العمومية . ففي حين كانت أربع جهات قد نشرت هذه البرامج سنة 2023، اقتصرت القائمة سنة 2024 على جهتين فقط: طنجة-تطوان-الحسيمة والجهة الشرقية، هذا التراجع يهدد بنسف أحد أعمدة الشفافية في التدبير المالي العمومي، ويحرم المتتبعين والفاعلين الاقتصاديين من أدوات أساسية في رقابة نفقات المال العام.

الوضع لا يختلف كثيراً على مستوى مجالس العمالات والأقاليم. من أصل 75 وحدة ترابية، لم تتوفر سوى 19 منها على مواقع إلكترونية سنة 2023 ، منها أربعة توقفت عن العمل سنة 2024، مما يعكس ضعف الاستمرارية وصيانة البنية الرقمية.

وبينما يواصل إقليم صفرو تصدره للمشهد باعتباره الأكثر نشاطاً في نشر المعلومات، تليه عمالة سطات ثم إنزكان آيت ملول، فإن الصورة العامة تبقى قاتمة، لا توجد أي عمالة أو إقليم ينشر بيانات حول الميزانية الجارية، أو التقارير المحاسبية والتدقيقية، كما أن بيانات الموظفين المكلفين بالمعلومة تظل غائبة بالكامل.

يطرح هذا الوضع تحديات حقيقية أمام تفعيل مقتضيات الدستور المغربي الذي نص صراحة على الحق في الحصول على المعلومات، كما يضع السلطات الترابية أمام مسؤولية سياسية وأخلاقية في الانخراط الجاد في مسلسل الشفافية، ويبدو أن غياب الإرادة السياسية، وضعف الكفاءة الرقمية، واستمرار منطق التحكم في المعلومة باعتبارها “امتيازاً إدارياً” لا حقاً دستورياً، كلها عوامل تفسر هذا التعثر المزمن.

 

الحاجة الملحة إلى خطة وطنية ملزمة

ولعل أبرز ما يمكن استخلاصه من هذا التقرير هو الحاجة الملحة إلى خطة وطنية ملزمة تُجبر الجهات والعمالات على رقمنة المعلومات المالية والإدارية ونشرها بشكل منتظم ومقروء، كما ينبغي تعزيز المراقبة المؤسساتية على هذا المجال، مع إدماج معايير النشر كجزء من تقييم أداء الجماعات الترابية وربطها بمؤشرات التمويل والتحفيز.

في زمن باتت فيه الشفافية الرقمية معياراً أساسياً للحكامة الجيدة، يبدو أن الجماعات الترابية المغربية ما تزال تعاني من فجوة رقمية ومؤسساتية تعرقل أي تحول حقيقي نحو الإدارة المنفتحة، وتجعل من الحق في المعلومة شعاراً أكثر منه ممارسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى