إقبال متزايد على شراء اللحوم رغم إلغاء شعيرة الذبح
في مشهد يثير الكثير من التساؤلات، يعرف عدد من الأسواق المغربية في الأيام القليلة التي تسبق عيد الأضحى إقبالاً كبيراً على شراء اللحوم الحمراء والبيضاء
22/05/2025
0
بقلم: بثينة المكودي
أثار قرار إلغاء شعيرة الذبح لهذا العام، في ظل الظروف الاقتصادية والمناخية الصعبة، نقاشاً واسعاً في الأوساط المغربية، خصوصاً مع ما رافقه من مظاهر استهلاكية متناقضة، أبرزها الإقبال المتزايد على شراء اللحوم المجزأة، وكأن العيد لا يكتمل إلا بوجود اللحم على الموائد، بصرف النظر عن السياق أو المعنى.
القرار، وإن جاء من أعلى سلطة في البلاد، لم ينعكس بالضرورة على سلوك الأفراد، الذين بدوا، في كثير من الحالات، مصرين على استنساخ طقوس العيد كما لو أنها لا تتغير، حتى في غياب أحد أركانها الأساسية.
ثقافة استهلاك لا تتراجع… حتى في غياب الشعيرة
رغم غياب الأضحية يوم _العاشر من شهر ذي الحجة_ ، بدا واضحا أن جزءاً كبيرا من المغاربة اختاروا تعويض الشعيرة بالشراء المباشر للحوم الحمراء، سواء من المجازر أو محلات التجارية، هذا التحول يطرح أكثر من سؤال حول العلاقة التي تربط المجتمع بالعيد: هل أصبح عيد الأضحى مجرد مناسبة غذائية؟ هل فقد طابعه الرمزي لصالح مظاهر استهلاكية خالصة؟
الجواب، وإن بدا معقداً، إلا أنه يعكس انفصالاً تدريجياً بين السلوك الجماعي والمعنى الديني أو الأخلاقي للعيد. فالاحتفاء لم يعد مشروطاً بالفعل الديني، بل بتحقيق شكل من الاستهلاك الذي يضمن “صورة العيد”، ولو بشكل رمزي.
إكراه اجتماعي أكثر منه قناعة دينية
من اللافت أن بعض الأسر، حتى في ظل الغلاء وصعوبة العيش، اختارت إنفاق مبالغ كبيرة على اللحوم، فقط لتأمين طقوس جماعية اعتادها الناس، خشية أن يُنظر إليهم باعتبارهم “لم يضحوا”، هذا السلوك لا يمكن فصله عن ضغط اجتماعي قوي، يجعل من مظاهر العيد واجبا اجتماعياً يتجاوز البعد الديني أو القدرة المالية.
في هذا السياق، يبدو أن كثيراً من الممارسات المرتبطة بالعيد لم تعد اختياراً حراً، بل نوعاً من الخضوع لـ”نظام اجتماعي” يصعب كسره، حتى حين يصبح غير منطقي أو غير متاح.
ما الذي نحتفل به؟
السؤال الجوهري اليوم هو: ما الذي نحتفل به فعلاً؟ هل يتعلق الأمر بتجديد النية، ومراجعة الذات، والتكافل مع من لا يملكون؟ أم أنه مجرد احتفال جماعي مشروط بالأكل واللحم؟ إلغاء الذبح هذا العام يمكن أن يكون فرصة لإعادة التفكير في معنى هذه المناسبة، ومراجعة علاقتنا بثقافة الإنفاق والتظاهر التي باتت تسيطر على العديد من الطقوس الاجتماعية والدينية.
واقع اقتصادي مأزوم، أم سلوك استهلاكي؟
لا جدال في أن السياق الاجتماعي والاقتصادي يلعب دوراً كبيراً في هذا التحول، فأسعار المواشي بلغت مستويات غير مسبوقة، وغلاء الأعلاف فاقم الأزمة، في حين تراجعت القدرة الشرائية للأسر، غير أن اللافت في الأمر أن كثيراً من الأسر لم تتوقف عند قرار عدم اقتناء الأضحية، بل لجأت إلى سلوك بديل لا يقل تكلفة أحياناً: شراء اللحم المجزأ من المجازر أو المحلات التجارية، بأسعار مرتفعة، فقط حفاظاً على “مظاهر العيد”.
أليس من الأجدر، إذا تعذر الذبح، إظهار العيد بالتكافل والتضامن مع من يحتاج، بدل استنساخ طقوس فارغة تُراعي الشكل وتغفل الجوهر؟
ثقافة استهلاك لا تُفرّق بين الشعائر والعادات
يتحدث بعض علماء الاجتماع عن هيمنة “ثقافة استهلاكية” جديدة حولت حتى المناسبات الدينية إلى فرص تجارية موسمية، يُسوّق لها عبر الإشهار والعروض، وتُختزل في المظاهر. وهكذا أصبح البعض يعتبر عيد الأضحى مرادفاً لأكل اللحم، لا لأداء شعيرة دينية، وبدل أن يكون العيد مناسبة للسكينة والراحة الذهنية ،أصبح يوماً آخر من أيام الاستهلاك المكثف، المحكوم بمنطق السوق والعرض والطلب.