الرئسيةحوادثصحةمجتمع

انتحار شاب بمريرت يوقظ الأسئلة المؤجلة

أقدم شاب في مقتبل العمر ينحدر من حي محمد طوطو بمدينة مريرت_ قلب جبال الأطلس المتوسط،_ وفي مشهد يختزل صمتاً داخليا مزمنا، على وضع حد لحياته شنقاً، ليلة الأحد 25 ماي الجاري، في حادثة مفجعة خلّفت صدمة واسعة في أوساط الساكنة، وأعادت إلى السطح النقاش حول الصحة النفسية للشباب المغاربة، الذين يواجهون واقعا معقدا بين الضغط الاجتماعي والاقتصادي وغياب الدعم المؤسسي.

وبالرغم من أن أسباب الحادثة لا تزال مجهولة رسمياً، إلا أن السياق المجتمعي والإشارات المتكررة لاضطرابات نفسية عند الشباب، تضع الحادث في خانة الانتحارات الصامتة التي غالباً ما تمر دون قراءة عميقة لأسبابها البنيوية.

الأرقام تتكلم… والمجتمع يلتزم الصمت

وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية _ مجال الصحة_، يُسجل المغرب ما يناهز 7.2 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة سنوياً، وهو رقم يتجاوز المتوسط في المنطقة المغاربية، ويثير القلق بالنظر إلى ضعف البنية الصحية النفسية في البلاد.

وفي تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (2021)، أشار 26% من الشباب المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة إلى أنهم يعانون من أعراض الاكتئاب والقلق بدرجات متفاوتة، دون أن يتلقوا أي مواكبة طبية أو نفسية.

أما من حيث التوزيع المجالي، فالنسب ترتفع في المناطق شبه الحضرية والمدن المتوسطة، مثل مريرت، حيث تندر مراكز الدعم والإرشاد، وتُسجَّل الهشاشة الاجتماعية بشكل أكثر وضوحًا.

غياب البنيات وتفشي الوصم

الصحة النفسية في المغرب لا تزال تُدار بمنطق الهامش، فعدد الأطباء النفسيين لا يتجاوز 500 طبيب على الصعيد الوطني، أي بمعدل طبيب واحد لكل 90 ألف نسمة، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بطبيب واحد لكل 10 آلاف نسمة.

وتُفاقم الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية من عزلة الأفراد، وتجعل من طلب المساعدة أمراً معقداً، بل محفوفاً بالخوف من نظرة المجتمع والأسرة.

من المسؤول؟

حادثة مريرت ليست الأولى من نوعها، لكنها نموذج يعكس فشل المنظومة المجتمعية في توفير مساحات آمنة للشباب، اذن أين الأسرة من كل هذا؟ أين المدرسة؟ أين الإعلام؟ أين السلطات التي لا تتحرك إلا بعد الفاجعة؟

كل انتحار شاب هو شهادة موت صامتة لعدة مستويات، تواطؤنا مع ثقافة “اصبر”، صمتنا الجماعي عن المعاناة، وتحويلنا كل صرخة ألم إلى مجرد “نزوة عابرة”.

الحاجة إلى يقظة جماعية

ما وقع في مريرت يجب ألا يُقرأ كحادث معزول، بل كنقطة ضمن منحنى مقلق يتصاعد بصمت. المطلوب اليوم هو وضع الصحة النفسية ضمن السياسات العمومية، وتوسيع برامج المواكبة والدعم، خاصة داخل الأحياء والمدارس والجامعات.

كما أن مسؤولية الإعلام والمجتمع المدني تظل أساسية في كسر الصمت والتوعية، ونزع الوصمة عن من يطلبون المساعدة قبل أن يصيروا رقماً آخر في لائحة الراحلين.

ليس من الطبيعي أن يفكر شاب في الرحيل وهو لم يبدأ حياته بعد، لكن الأكثر غرابة اي اللا طبيعي، هو أن يستمر المجتمع في اعتبار هذه الحوادث مجرد “استثناءات”… بينما هي في الواقع، مرآة لخلل عام نرفض الاعتراف به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى