الرئسيةثقافة وفنون

السينما والأمة ميزوكوشي…سينمائي ياباني!

بقلم الناقد السينمائي: محمد بكريم

هو كنزي ميزوكوشي (16/05/1898 – 24/08/1956) …ازداد في طوكيو سنوات قليلة بعد اختراع السينما ووصولها الى اليابان.

يحضر اسمه بقوة كل مرة يطرح فيها النقاش الثقافي -الأنثروبولوجي حول العلاقة المتشابكة بين السينما والأمة.

او بصيغة أخرى كيف يتم إعادة تملك “السينما” كظاهرة شاملة من طرف مجتمع وثقافة لم تلتقي بالسينما الا بسبب “حادثة – “”accident تاريخية. إعادة تملك بما يعني اندماجها في النسيج الثقافي العام لمجتمع معين.

نعلم أن هذا لم يتأتى لكل المجتمعات. عندما عرف “السينماتوغراف” (هذه هي التسمية المستعملة من طرف الاخوان لوميير) تحوله الأول من مجرد “اختراع صناعي” لا مستقبل له الى ظاهرة فرجوية جماهيرية ثم فنية وأصبح معروف بالسينما انتشرت حسب خط افقي يبدأ من موسكو وصولا الى لوس أنجلس. ثم بدأت تدريجيا تصل الى بقاع الدنيا المختلفة ليكن حظها في التطور والاندماج في المحيط الجديد مرتبط ببيئة التلقي او ما أسميه “ايكو-سيستم”.

لأن السينما ليست هي السيارة: حالة مصر مقابل جارتها الشرقية (السعودية) وجارتها الغربية (ليبيا). نجح الانتقال – transfert هناك وفشل هنا…


وأحبذ دائما أن اسرد الحالة المغربية مقابل الحالة اليابانية: امبراطوريتين عريقتين بخزان ثقافي غني بتنوعه.

المغرب واليابان سيكتشفان السينما في نفس الوقت تقريبا

المغرب واليابان “سيكتشفان” السينما تقريبًا في نفس الوقت. ومع ذلك، لم يكن للسينما نفس المصير. نعلم أنه في الوقت الذي أرسل فيه مولاي حسن شبابًا لدراسة العلوم والحرف التي من شأنها مرافقة إرادته في تحديث وحماية البلاد من الأطماع الإمبريالية، كان في اليابان يتزامن ذلك مع فترة «عصرميجي” (الأنوار)، مع الأهداف والطموحات نفسها تقريبًا.

إلا أن، للأسف بالنسبة للمغرب، لم يحظ الشباب الذين تم تدريبهم في أوروبا بنفس الترحيب الذي حظي به رفاقهم اليابانيون عند عودتهم إلى وطنهم.

هناك، كانوا رأس الحربة في تحديث البلاد (ابتداءً من عام 1867)؛ هنا، تم دفعهم إلى زوايا نائية، وفي بعض الحالات أخرى، تم نفيهم ونبذهم ببساطة من قبل التيار المحافظ الذي كان يثقل كاهل المجتمع بكل ثقله على الرغم من الرغبات الإصلاحية لهذا السلطان العظيم.

لذلك عندما وصلت السينما تقريبًا في نفس الوقت إلى اليابان والمغرب، لم يكن لها نفس المصير. بل هذا ما تؤكده حالة السينما اليوم.

حيث لا تزال السينما في المغرب تصارع من أجل انجاز اعتراف “تاريخي” على قاعدة مشروعية فنية وثقافية تعزز بعض النجاحات التي يحققها من حين لآخر السينمائيون المغاربة.

في اليابان، ستعرف السينما بسرعة كبيرة ازدهاراً، أولاً على النموذج الأمريكي، وبالتحديد الهوليوودي (من ناحية بيداغوجية صرفه التقليد محطة موضوعية). رجل واحد سيلعب دورًا أساسيًا في ترسيخ هذه السينما في الزمان الياباني والمكانه. إنه كينجي ميزوكوشي).

بدأ مسيرته السينمائية في عشرينيات القرن الماضي. امتدت مسيرته المهنية من عام 1923 إلى عام 1956 وشملت 33 فيلمًا. عندما انضم إلى المهنة، كانت معظم الأفلام مجرد تقليد بسيط للإنتاجات الغربية.

كان عمل صناعة السينما اليابانية الناشئة يتبع تمامًا النموذج الأمريكي مع هيمنة الاستوديوهات. كانت التقنيات مستوردة وكان يتم إرسال الفنيين المحليين إلى الغرب للتدريب على النموذج السائد.

 


ميزوكوشي سينجز ثورته على أسس جمالية متماسكة؛ يقول عنه المنظر السينمائي نويل بورش ” انه أكبر منظم للبعد الجمالي البصري الداخلي للقطة – plasticité الذي عرفته السينما”.

وعادة ما يتم تحديد القطيعة التي سيقودها اعتبارًا من منتصف الثلاثينيات. إنها سينما تتخلى عن التقطيع الكلاسيكي وتختار اللجوء إلى اللقطات المتتابعة (المشهد-المقطع) أو بشكل عام استخدام اللقطات الطويلة. إنها الطريقة المعروفة باسم «مشهد واحد-لقطة واحدة». انفصال يعتمد على إتقان تام للأداة وتمكن …بما في ذلك نسختها الهوليوودية ومعرفة تامة بما يحدث في السينمائيات العالمية المختلفة.

استيعاب وليس نقل لأنه يستمد الكثير العلامات البصرية والتركيبية من التراث الفني لبلده، وخاصة المسرح. يستمد إلهامه من مواضيعه وخاصة من اختياراته الجمالية: الممارسات الصوتية، الديكورات والأزياء. تفضيله للمشاهد الطويلة هو نوع من الامتداد لتفكيره حول المسرح.

بالنسبة للعديد من الباحثين، تكمن حصة “المسرحة” في أعمال ميزوكوشي في اختياره تقديم رؤية بعيدة ومستدامة بفضل اللقطات العامة وغياب القطع. هذه الرؤية العامة تحافظ على مساحة “مسرحية” (أو سينوغرافية ان صح التعبير) وتفرض على الممثلين استخدام الجسد والصوت بدلاً من الوجه والعينين.

أغامر بالقول بأنني أجد “أثر” او بصمات لذلك في الفيلم الأخير لفوزي بنسعيدي: اللقطات الواسعة التي تسمح لعين المتلقي “بالتجوال” داخل المشهد …

السينما بشكل ما تبقى لغة أجنبية…اعادة تملكها لا يعني ترجمة “حروفها” الى لغة أخرى بل إعادة صياغة. ميزوكوشي وزميله ياسوجيرو اوزو حققا النقلة الثقافية للسينما. الأول بإبداعه على مستوى مقاربة المكان والزمان والثاني بإبداعه في تموقع أصيل للكاميرا، ما عرف تاريخيا بوجهة نظر “تتامي”… 90 سنتمتر بعيدة عن الأرض، ما يوازي وجهة نظر انسان جالس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى