الرئسيةمجتمع

فضيحة التسريبات تمس بمصداقية البكالوريا مجددا

في سابقة لم تعد مفاجئة بقدر ما أصبحت واقعًا مقلقًا، اهتزت أروقة المنظومة التعليمية المغربية مجددًا صباح امس الإثنين، تزامنًا مع انطلاق أول أيام امتحانات البكالوريا_أحدثت هذه الشهادة في شمال أفريقيا الواقعة تحت الاستعمار الفرنسي_، على وقع تسريبات جديدة طالت مواضيع وأجوبة الامتحانات، والتي انتشرت كالنار في الهشيم عبر تطبيق “تيليغرام”، مباشرة بعد دقائق من توزيع أوراق الامتحان داخل الأقسام.

???????????

ورغم كل الوعود الحكومية السابقة بالتشديد والصرامة، عاد سيناريو العامين الماضيين ليطل بوجهه مجددًا، مكرسًا أزمة متجذرة تستنزف رصيد الثقة في واحدة من أكثر المحطات المفصلية في المسار الدراسي للآلاف من التلاميذ، اللافت أن هذه التسريبات لم تكن معزولة أو عرضية، بل طالت عدداً من الشعب والتخصصات بشكل متزامن، ما يعزز فرضية وجود شبكات منظمة تتعامل مع هذا الموسم الدراسي كسوق سوداء مدرّة للأرباح، تتجاوز في نشاطها حدود السلوك الفردي نحو ما يشبه العصابات الرقمية.

“تيليغرام”… الحصن الرقمي للعابثين؟

الوسيط الرقمي المستخدم في هذه العمليات – تطبيق “تيليغرام” – لم يكن اختيارًا عبثيًا. بتقنية تشفيره العالية وصعوبة تعقّب محتوياته، تحول إلى منصة مثالية لبث مواضيع الامتحان وأجوبتها داخل مجموعات مغلقة تُدار باحترافية، وتستهدف المتعلمين والوسطاء على حد سواء، يضع هذا الواقع الرقمي الجديد الأجهزة الأمنية والتربوية أمام تحديات تقنية تتطلب أدوات رصد أكثر تطورًا وكفاءات مدرّبة للتصدي لمثل هذه الاختراقات المستعصية.

رد رسمي وتحقيقات قيد التنفيذ في مواجهة هذا الاختراق المتكرر

فقد أعلنت وزارة التربية الوطنية، بالتنسيق مع المصالح الأمنية المختصة، عن إطلاق تحقيق معمق لرصد مكامن الخلل وتحديد المتورطين سواء من داخل مراكز الامتحان أو من خارجها، حيث أفادت مصادر من داخل الوزارة بأن تقارير دقيقة تُعد حالياً، توثق لحالات التسريب والارتباطات المحتملة، وهو ما قد يفضي إلى متابعات قضائية قد تطال موظفين أو أطرافًا متواطئة.

وتشير نفس المصادر إلى أن الوزارة لا تكتفي حاليًا بالإجراءات الزجرية، بل بصدد مراجعة آليات التنظيم والتوزيع والرقابة، خصوصًا في الشق المتعلق بتكنولوجيا المراقبة وتكثيف التكوين في المجال الرقمي للعاملين في القطاع.

رهان المصداقية في مفترق طرق

ليست هذه الحادثة مجرد إشكال عابر، بل هي مؤشر صارخ على أزمة أعمق تتعلق بمنظومة القيم والحوكمة داخل النظام التربوي، فكل تسريب يمس بجوهر تكافؤ الفرص ويغذي شعورًا عامًا بانهيار معايير الاستحقاق، مما ينعكس سلبًا على الثقة في الشهادات الرسمية، ويطرح سؤالًا ملحًا حول مستقبل الإصلاح التعليمي في ظل غياب صرامة رقمية فعالة.

في النهاية، تبدو معركة الدولة ضد التسريبات معركة وجودية لا تتعلق فقط بامتحانات موسمية، بل بقدرتها على فرض هيبة القانون وضمان الإنصاف في واحدة من أهم مراحل الانتقال نحو المستقبل.
فهل تتحرك الوزارة بخطط استباقية وجريئة تعيد الاعتبار للمصداقية، أم أن مسلسل التسريبات سيستمر في عزف لحن العبث، سنة بعد أخرى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى