الرئسيةسياسة

الفلفل الأحمر يُنعش الأسواق الأوروبية ويُلهب جيوب المغاربة

في الوقت الذي يحتفل فيه الإعلام الزراعي المغربي بنجاحات الفلاحة التصديرية، وعلى رأسها منتوج الفلفل الذي بات يُلقب بـ”الذهب الأحمر”، يغلي قدر المواطن البسيط خالياً من هذا المكون الحيوي، أو يحويه بشق الأنفس.فرغم أن المغرب أصبح رقماً وازناً في السوق العالمية _شراكة اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي_  لصادرات الفلفل، إلا أن هذا النجاح البراق لا يعكس بالضرورة رفاهاً داخلياً، بل يكشف عن خلل صارخ في السياسات الفلاحية التي تضع الأسواق الخارجية فوق المصلحة الوطنية.

المغرب ثالث مصدر عالمي.. بإنجازات لافتة وأثمان تصديرية مغرية

أرقام سنة 2024 تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المغرب تقدم بخطى ثابتة نحو مصاف كبار مصدري الفلفل_ من أهم مكوناته هي مادة الكابسيسين_ في العالم، فقد بلغت صادراته من هذا المنتوج 266.47 مليون كيلوغرام، أي 6.43% من إجمالي الصادرات العالمية، محققةً 389 مليون يورو من العائدات المالية، وبسعر متوسط 1.46 يورو للكيلوغرام الواحد.

مقارنة بسنة 2015، هذه الأرقام تمثل نمواً هائلاً بنسبة 162.25%، مما يدل على تطور ملحوظ في القطاع من حيث البنية الإنتاجية، التقنيات الزراعية، والتموقع الاستراتيجي داخل السوق الأوروبية.

لكن خلف هذا النجاح الرقمي، تكمن مفارقة مؤلمة: هذا الفلفل، الذي يُشحن يومياً إلى الضواحي الأوروبية بعلب أنيقة وأسعار تنافسية، أصبح حلماً بعيد المنال على موائد المواطنين المغاربة.

إسبانيا وهولندا.. خصمان عنيدان، والمغرب يهدد التوازن

فيما ما تزال ألميريا الإسبانية تتربع على عرش التصدير العالمي للفلفل بـ 530.62 مليون كيلوغرام في 2024، تشكل 12.81% من السوق العالمية، وقرابة 63% من صادرات إسبانيا. بلغت عائداتها أكثر من 1.023 مليار يورو، بسعر متوسط 1.93 يورو للكيلوغرام.

أما هولندا، فحافظت على المرتبة الثانية رغم تراجع صادراتها بنسبة 8.26% خلال العقد الأخير، إذ بلغت صادراتها 421.82 مليون كيلوغرام بقيمة إجمالية 1.054 مليار يورو وبسعر بيع هو الأعلى بين الكبار: 2.50 يورو للكيلوغرام.

في هذا السياق، يُشكل الصعود المغربي تهديداً جدياً للتوازن التقليدي في سوق الفلفل العالمي، إذ يزاوج بين سعر تنافسي وجودة مقبولة، بدعم من مناخ ملائم وقرب جغرافي من أوروبا.

الفلفل المغربي: من حقول سوس والغرب… إلى رفوف السوبرماركت الأوروبية

ما تحقق من نمو لم يكن وليد الصدفة، فقد استثمرت الدولة والشركاء الخواص في تطوير الزراعات المغطاة، وتحسين نظم الري بالتنقيط، وتوجيه الإنتاج نحو التصدير، كما أبرمت شراكات مع شركات أوروبية متخصصة في التوضيب والتسويق، مما ساعد على ترسيخ مكانة الفلفل المغربي في السوق الدولية.

غير أن كل هذه المكاسب تحققت على حساب السوق الوطنية التي أصبحت تعاني من اختلال واضح بين العرض والطلب، خاصة في الفترات التي تشهد ضغطاً على التصدير.

فلفل مغربي بطابع أوروبي.. وسعر “مستورد” في السوق المحلية!

بعيداً عن قصص النجاح المعلنة، يقف المواطن المغربي حائراً أمام أسعار الفلفل في الأسواق المحلية، التي تجاوزت في بعض الفترات قدرة شرائه، لتتحول إلى مادة شبه “فاخرة” في مطبخه اليومي.

في الوقت الذي يُباع فيه الفلفل المغربي في أوروبا بسعر لا يتجاوز 1.46 يورو (أي حوالي 16 درهماً)، يُعرض في الأسواق الوطنية بأسعار تفوق أحياناً 20 إلى 25 درهماً للكيلوغرام، دون أي مبرر منطقي سوى منطق التصدير أولاً وربما… الاحتكار.

هذا الواقع يسلط الضوء على أحد أعطاب النموذج التنموي الفلاحي المغربي: “فلاحة تُنتج للتصدير وتُهمل الداخل” ، حيث تُخصص أجود المنتوجات للأسواق الخارجية، ويُترك المواطن في مواجهة غلاء أسعار، وسوء توزيع، وفجوة غذائية تتسع سنة بعد أخرى.

حين تُصبح السيادة الغذائية ترفاً

النجاح في الأسواق الخارجية لا ينبغي أن يُعمينا عن حقيقة موجعة: لا معنى لفلاحة ناجحة لا تُطعم أبناء الوطن، فالسياسات الحالية، التي تحتفي بالنجاحات الرقمية والعملة الصعبة، تغفل عن الدور الاجتماعي للفلاحة في تأمين الأمن الغذائي للمغاربة.

إن التحدي اليوم لا يكمن فقط في الحفاظ على تموقع المغرب ضمن كبار المصدرين، بل في إرساء توازن عادل بين متطلبات التصدير وحاجيات السوق الداخلية، بما يضمن وفرة المنتوج وجودته وسعره المعقول.

بين التفاخر بالنجاح والتغاضي عن الفجوة

ما بين “الفلفل المغربي يغزو أوروبا” و”الفلفل المغربي يغيب عن مطبخ المغاربة”، تقف مفارقة تعكس نموذجاً اقتصادياً غير متوازن، يحتاج إلى مراجعة جوهرية.

نجاحنا الفلاحي يجب أن يبدأ من الداخل. فلا يُعقل أن نُطعم العالم ونجوع نحن، ولا أن نفرح بإيرادات العملة الصعبة بينما نُهمل الموائد الفارغة، المغرب يستحق فلفله، لا فقط كرمز للتصدير، بل كحق للمواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى