
يعيش المواطن المغربي منذ مطلع يوليوز، حالة من الصدمة المتجددة أمام ارتفاع تدريجي في أسعار الدجاج، المنتوج الغذائي الأساسي في معظم البيوت المغربية، والذي يشكل دعامة غذائية لا غنى عنها في وجبات ملايين الأسر.
أثارت هذه الزيادة المفاجئة في ثمن الكيلوغرام استياءً واسعاً، في ظل أزمة معيشية متفاقمة وانهيار القدرة الشرائية، خصوصاً لفئات واسعة من السكان ذوي الدخل المحدود.
ارتفاع متكرر.. أم لعبة موسمية مكررة؟
على الرغم من أن أسعار الدجاج شهدت استقراراً نسبياً خلال الأشهر الماضية، إلا أن موجة الغلاء التي تفجرت مع بداية الصيف لم تكن مفاجئة للمهنيين في القطاع، فبحسب تصريحات أدلى بها تجار الدواجن في الدار البيضاء، ارتفع سعر الكيلوغرام في أسواق الجملة إلى حوالي 15.5 درهماً، بينما تجاوز في الأسواق المحلية 18 درهماً، ما يجعل هذا المنتج الحيوي بعيد المنال عن كثير من العائلات.
الأرقام تكشف اللعبة
وفقاً لبيانات الفيدرالية البيمهنية لقطاع الدواجن (FISA)، يُنتج المغرب سنوياً حوالي 720 ألف طن من لحوم الدواجن، بمعدل شهري يقارب 60 ألف طن، ويصل عدد وحدات الإنتاج إلى 15 ألف وحدة تربية تقليدية ومرخصة، منها فقط حوالي 6% تستوفي شروط السلامة الصحية وفق معطيات المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA).
أما استهلاك المغاربة، فيتراوح بين 20 إلى 22 كيلوغراماً للفرد سنوياً، أي أن أزيد من 700 مليون دجاجة تُستهلك كل عام، حسب بيانات سنة 2023.
ورغم هذا الإنتاج الضخم، إلا أن الأسعار تبقى رهينة تقلبات العرض والطلب، وشبكات الوساطة التي تستغل المناسبات الموسمية لرفع الأسعار بشكل غير مبرر، والأدهى أن متوسط سعر الكيلوغرام في 2022 لم يتجاوز 12.5 درهماً، ما يعني زيادة بنسبة 40% في ظرف أقل من سنتين.
أعراس الصيف.. دجاج للِّي قدر
يربط المهنيون هذه الزيادات بارتفاع الطلب في فصل الصيف، الذي يعرف كثافة في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، وتشير تقديرات غير رسمية إلى تنظيم أكثر من 180 ألف حفل زفاف سنوياً في المغرب، 40% منها بين شهري يوليوز وشتنبر، وهو ما يخلق ضغطاً ظرفياً على السوق.
لكن هذه “الذريعة” لا تصمد أمام واقع الإنتاج الكافي، ولا تبرر تجاوز الأسعار لسقف 18 درهماً في بعض المدن، في غياب تام لتدخلات الحكومة أو ضبط للأسواق من طرف سلطات المراقبة.
الأسر تئن.. والحكومة تتفرج
في ظل هذا الارتفاع، نجد أنفسنا أمام معادلة صادمة: أكثر من 3 ملايين مغربي يعيشون تحت عتبة الفقر حسب المندوبية السامية للتخطيط، في حين يُرغم المواطنون على مواجهة موجات غلاء تمس قوتهم اليومي، فأسرة متوسطة مكونة من خمسة أفراد تستهلك في الشهر ما يعادل 12 إلى 15 كيلوغراماً من الدجاج، أي ما يكلفها حوالي 270 درهماً إلى 300 درهماً، مقارنة بـ 180 درهماً فقط في أشهر الاستقرار، أي زيادة تصل إلى 60% في الفاتورة الغذائية.
وفي ظل هذه الأرقام، لا يُسجل أي دعم مباشر لقطاع الدواجن موجه للمستهلك، كما لا توجد آلية لحماية القدرة الشرائية في ظل الغلاء المستمر للمواد الأساسية، من لحوم، خضر، زيت، إلى حتى البصل والبيض.
شهادات من السوق.. “الدجاج ولى بحال اللحم”
تقول فاطمة، ربة بيت من مدينة سلا: “زمان، الدجاج كان هو البديل الأرخص من اللحم، دابا حتى هو ولى بحال اللحم ولا أكثر، حتى شرويطة دجاج ما بقيناش نقدرو عليها، الله يدير شي تاويل”.
من جهته، صرّح أحد البائعين في سوق شعبي بالرباط أن “المشكل ماشي فالطلب، راه الإنتاج موجود، ولكن كاينين ناس فالنص كيتلاعبو، من المربين الكبار حتى الوسطاء، وما كاين لا مراقبة لا محاسبة”.
خلل بنيوي.. واحتكار مقنع
يكشف خبراء الاقتصاد الغذائي أن ما يحصل في قطاع الدواجن هو مرآة للاختلالات البنيوية في منظومة الأسعار بصفة عامة، حيث تتحكم فئة صغيرة من المنتجين الكبار والموزعين في السوق الوطني، مما يخلق وضعية احتكار غير معلن، ويزيد الطين بلة غياب مخططات لتخزين الإنتاج أو تسويقه في فترات الذروة، ما يجعل السوق رهينة لاعتبارات ظرفية موسمية.
في انتظار من ينظم “قنينة الغاز البيضاء”
لا نبالغ إن قلنا إن الدجاج في المغرب تحوّل إلى قنينة غاز بيضاء لا تقل التهاباً عن الغاز الحقيقي، في غياب تام لأي تسقيف للأسعار، أو دعم مباشر للأسر الفقيرة.
فالمواطن البسيط يواجه لوحده شراسة السوق، فيما تغيب تدخلات الدولة لتقنين الأسعار أو دعم الفئات الأكثر هشاشة، وبين أعراس الصيف وحرارة الأسواق، يظل دجاج الموائد المغربية ضحية لمعادلات لا تنضبط لا للعرض والطلب، ولا للعدالة الاجتماعية.