على رصيف بارد في قلب مكناس، يواصل أكثر من 500 عامل وعاملة من شركة سيكوميك اعتصامهم المفتوح منذ أزيد من سنة. زمن ثقيل مرّ على هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها خارج أسوار المصنع، بعدما أغلقت الشركة أبوابها دون أن تصرف لهم مستحقاتهم المالية والاجتماعية.
أجور تراكمت في ذمة إدارة غائبة، وتعويضات معلقة في زمن الانتظار، وضمان اجتماعي وصحي ظل حبرا على ورق، رغم اقتطاعات سنوات طويلة من العرق والعمل.
40 سنة من العمل تنتهي بخيمة احتجاج
كثيرون من هؤلاء قضوا أربعة عقود في خدمة الشركة، قبل أن تتحول حياتهم إلى خيمة منصوبة تحت شمس الصيف وبرد الشتاء، حيث هناك، عند مدخل المصنع المغلق، يكبر السؤال من يتحمل مسؤولية هذه المأساة؟ ولماذا صمت السلطات رغم وعود كثيرة وحوارات لم تُترجم إلى أفعال؟
حوارات لم تثمر وحلول غائبة
على امتداد الأشهر الماضية، حضر ممثلون عن الداخلية ووزارة الصناعة ووزارة الإدماج الاقتصادي إلى طاولة النقاش، وحررت محاضر وتعهدات، لكن شيئا لم يتغير، فالحكومة التي رفعت شعار حماية الحقوق، تركت هؤلاء في مواجهة الهشاشة، بلا تغطية صحية، بلا أجر، وبلا أفق.
تصريح نقابي: “نحن لا نطلب المستحيل”
في تصريح لـ”دابابريس”، قال عبد الحق الشامي، عضو المكتب النقابي للعمال:
“نحن لا نطلب المستحيل، نطالب فقط بحقوقنا التي يكفلها القانون، فمنذ سنة كاملة من الاعتصام لم نتلقى سوى الوعود. وأضاف أنه من غير المقبول أن يُترك مئات العمال وعائلاتهم في الشارع، بعد سنوات طويلة من خدمة مصنع كان يحقق أرباحا طائلة، ما يجري اليوم وصمة عار على جبين كل من صمت عن هذه المأساة”.
تضامن واسع وصمت رسمي
القضية لم تعد شأنا محليا، فقد أعلنت أحزاب وهيئات حقوقية تضامنها، بينها الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وحزب النهج الديمقراطي، إلى جانب منظمات عمالية وشبكات دعم من المغرب وخارجه.
أصوات نددت بما وصفته تواطؤا بالصمت، ودعت إلى تدخل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
مطالب العمال: حقوق قانونية وليست امتيازات
مطالب المعتصمين واضحة، وتتمثل في صرف المستحقات المتراكمة، وتعويض عن فقدان الشغل، وضمان الحقوق الاجتماعية التي كفلها القانون، غير أن الملف ما يزال عالقا، فيما يكبر الشعور بالخذلان لدى عمال اللذين أفنوا أعمارهم في خدمة شركة اختارت الرحيل بلا حساب.
أزمة تكشف خللا هيكليا في السياسة الصناعية
ما يجري في مكناس ليس مجرد نزاع شغل عابر، بل يكشف عن خلل بنيوي في إدارة الملفات الاجتماعية للشركات الصناعية بالمغرب، وإغلاق سيكوميك، التي كانت تُعد من بين الوحدات الكبرى في جهة فاس- مكناس، يعكس واقع هشاشة الاستثمارات أمام الأزمات، وضعف آليات الدولة في ضمان استمرارية النشاط أو حماية اليد العاملة.
الأسوأ من ذلك أن غياب تطبيق القانون جعل مئات العمال يعيشون على الهامش، محرومين من أجورهم وتعويضاتهم رغم وجود نصوص تشريعية واضحة تلزم المشغّل باحترام التزاماته.
حكومة تحت الاختبار
الحكومة من جهتها، ورغم جولات الحوار، لم تقدّم حلولا عملية؛فاستمرار الملف يضع علامات استفهام حول فعالية “المخطط الصناعي” الذي تراهن عليه الدولة، ومدى ارتباطه بسياسات تحمي الطبقة العاملة في مواجهة تقلبات السوق.