الرئسيةمجتمع

مغاربة العالم..منزل في أرض الوطن أم فخ للضرائب؟ 

عودة مشروطة إلى الوطن

لطالما مثّل بناء منزل في أرض الوطن حلمًا يراود آلاف المغاربة المقيمين بالخارج، حلمٌ يتشكل على امتداد سنوات من العمل والتضحيات، ويأخذ صورته النهائية في ذهن المغترب على شكل فيلا دافئة، تحضن الأسرة وتعيد إليه جذوره، لكن عند العودة، يتفاجأ كثيرون بأن المسار نحو هذا الحلم محفوف بألغام إدارية وضريبية، قد تجعل من المشروع كابوسًا بيروقراطيًا مكلفًا.

المتر الواحد الذي يُفجر العبء

الضريبة التي تصطدم بها فئة واسعة من مغاربة المهجر ليست ضريبة على الدخل أو الأملاك أو حتى الموقع الجغرافي، بل هي ما يُعرف بـ”المساهمة الاجتماعية للتضامن”، تفرض على كل من شيد بناء سكنيًا تتجاوز مساحته 300 متر مربع.

والمفارقة أن القانون لا يُحمِّل فقط المتر الزائد بالضريبة، بل يجعل كامل المساحة خاضعة لها إن تم تجاوز هذا الحد، ولو بشكل طفيف.

يُعفى أي مسكن رئيسي لا يتجاوز مساحته 300 متر مربع من هذه المساهمة. أما إذا تجاوزت المساحة هذا الحد، فتصبح كل المساحة، وليس الجزء الزائد فقط، خاضعة للمساهمة التي تتراوح ما بين 60 و150 درهمًا للمتر المربع. المبلغ يبدو رمزيًا على الورق، لكن الواقع مختلف تمامًا.

إجراءات معقدة وملاحقات مستمرة

ما يجعل هذه “المساهمة” أكثر تعقيدًا ليست فقط القيمة المفروضة، بل المساطر الإدارية التي تُرافقها، فمنذ وضع أول حجر في المشروع، يُطلب من المالك تقديم تصريح سنوي مفصل بكلفة البناء، يُدرج فيه أسماء الموردين، أنواع المواد، المبالغ المدفوعة، وطريقة الأداء، فضلًا عن شهادة من مهندس معماري أو عقد “مفتاح في اليد”.

و تستمر المعاناة الإدارية لسنوات، إذ يجب تحديث التصريحات سنويًا مع تقدم الأشغال، وعند استلام رخصة السكن، يُلزم المالك بإيداع تصريح خاص بالمساهمة الاجتماعية في أجل لا يتجاوز 90 يومًا، و أي إخلال بهذه الإجراءات قد يؤدي إلى غرامات تأخير، إنذارات ضريبية، وتعطيل كامل في حال أراد الشخص بيع العقار أو تسوية وضعيته القانونية.

لا فرق بين من يستثمر ومن يسكن

القانون لا يميز بين من يشيد منزلًا للاستثمار، ومن يبني بيتًا لعائلته دون نية للكراء أو البيع، فالنية غير محسوبة، والمعيار الوحيد هو المساحة، وهذا ما يوقع الآلاف في نفس الفخ، ويجعلهم تحت رحمة الإجراءات ذاتها، بغض النظر عن أهدافهم أو ظروفهم.

في هذا السياق، تقول سعاد السليماني، مغربية مقيمة في بريطانيا: “بعد أن ورثت قطعة أرض من والدي، قررت بناء فيلا صغيرة لعائلتي، لم أكن أعلم أن تجاوز المساحة المسموح بها سيجر عليّ كل هذه المتاعب.
اليوم أنا عاجزة عن تحفيظ العقار لأنني لم أقم بالتصريح بالمساهمة في الوقت المحدد، رغم أنني لم أبنِ شيئًا سوى بيت بسيط لأسرتي”.

عبء اقتصادي إضافي يثني عن العودة

أصبحت المساهمة الاجتماعية للتضامن تشكّل عبئًا إضافيًا على ميزانية مغاربة الخارج، خصوصًا أن تكاليف الحياة في بلدان الاغتراب لا تسمح دومًا بادخار مبالغ كبيرة للبناء، وقد كشفت دراسة لشبكة “دار المستثمر” أن 27% من مغاربة العالم اضطروا إلى اللجوء إلى القروض أو السوق السوداء لتمويل مصاريف التصريحات والغرامات، فيما قرر 42% خفض مساحة البناء إلى أقل من 300 متر مربع تفاديًا للمساهمة.

هذه الأرقام تعكس كيف أن الحلم العقاري بدأ يتحوّل إلى عبء نفسي ومالي، يدفع الكثيرين إلى التراجع عن فكرة الاستثمار في المغرب.

في المقابل، تواصل الدولة التأكيد أن هذه المساهمة تهدف إلى تمويل البرامج الاجتماعية، كما صرحت مسؤولة من وزارة الاقتصاد والمالية، معتبرة أنها “وسيلة لتوزيع الثروة وتحقيق التضامن”.

مغاربة العالم: خزان العملة الصعبة وضحايا التشريع

لا يمكن تجاهل أن مغاربة العالم يضخون سنويًا أزيد من 114 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، بحسب إحصائيات 2024. هؤلاء لا يُعامَلون اليوم كمواطنين اختاروا العودة بأموالهم وتجاربهم، بل كمصدر إضافي للجباية، فهم يعيشون بين مطرقة الاشتياق للوطن وسندان التشريعات المعقدة.

تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر في يونيو 2025 سجل أزيد من 1800 حالة نزاع ضريبي مرتبطة بهذه المساهمة، أكثر من ثلثها يخص مغاربة الخارج الذين غالبًا ما يفتقرون للمعلومة أو يجهلون تفاصيل الإجراءات الإدارية المعتمدة بعد سنة 2019.

حلم مؤجل ومساحة مسمومة

بين حلم بناء منزل يأوي الأسرة وواقع تشريعي لا يرحم، تقف فيلا “العمر” في المغرب على حافة السخرية السوداء، فكل متر مربع قد يتحول من فسحة إضافية إلى ورقة ضريبية، وكل مغترب عاد بنية الاستقرار، قد يجد نفسه محاصرًا بلائحة من التصريحات والتقارير والتأخيرات التي لا تنتهي.

ليبقى السؤال، بمرارة الواقع: هل تحوّلت الدولة إلى مقاول بقبعة ضريبية؟ أم أن القانون بات يعاقب من يحب أن يبني أكثر مما يحاسب من يحتكر أو يتهرب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى