الرئسيةبيئةمجتمع

واد النفيفيخ… حين تختنق الأسماك وتطفو فضائح التسيير 

على امتداد الشريط الساحلي بين المنصورية والمحمدية، لا تحتاج أن تضع أذنك على الرمال لتسمع صرخة البحر، فالمشهد أبلغ من أي صوت: أسماك نافقة تطفو على سطح مياه مصب واد النفيفيخ، في مشهد أقرب إلى مقبرة مائية منه إلى شاطئ يفترض أن يكون متنفسًا بيئيًا.

هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الواد حالة الطوارئ البيئية، لكن هذه المرة، جاءت الكارثة ممهورة بتوقيع “مشروع عمومي” يفترض أنه للتنمية، فإذا به يتحول إلى “كمين هندسي” يقضي على الحياة المائية.

قنطرة بمفعول عكسي

بدأت القصة مع القنطرة الجديدة التي شُيدت على الواد، فأثناء الأشغال، تم حجز المياه خلف تربة مؤقتة، وعند اكتمال المشروع، لم يُفتح المصب بالشكل الطبيعي..، و النتيجة؟ مياه راكدة لعدة أيام، تحولت بفعل نقص الأكسجين المذاب وتراكم المواد العضوية إلى “حوض خانق” يلتهم الكائنات المائية.

وفق تقارير ميدانية، عشرات الكيلوغرامات من الأسماك الكبيرة والصغيرة نفقت، في مشهد يعكس موت النظام البيئي بأكمله، وليس مجرد حادث عرضي.

التلوث… الضيف الدائم

لكن الكارثة ليست وليدة القنطرة وحدها، فالواد يعاني منذ سنوات من تصريف مباشر لمياه الصرف الصحي، إضافة إلى مخلفات صناعية و زراعية..، وفي غياب محطات معالجة فعّالة أو مراقبة بيئية صارمة، تحوّل المجرى إلى قناة صرف مفتوحة على البحر.

حسب تقريرٍ للمندوبية السامية للمياه والغابات لسنة 2023 أشار إلى أن 80% من مصبات الأودية في الساحل الأطلسي المغربي تعاني من نسب تلوث عالية، بعضها يتجاوز المعايير الوطنية بـ 300%.

أسئلة ثقيلة بلا إجابات

لماذا لم تُجرَ دراسة بيئية مصاحبة لمشروع القنطرة، كما تنص عليه القوانين البيئية الوطنية؟ من يراقب جودة مياه الواد؟ أين دور وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة؟ وأين اختفت السلطات المحلية من مشهد الكارثة، وهي التي تتحرك بسرعة حين يتعلق الأمر بأنشطة ترفيهية أو مهرجانات؟

حتى الآن، لا مؤشرات على فتح تحقيق جدي، رغم أن القوانين واضحة: القانون 36-15 المتعلق بالماء ينص على مسؤولية مباشرة للسلطات في منع أي تلويث للمجاري المائية، ومعاقبة المتورطين.

ما بعد الفضيحة

ما جرى في واد النفيفيخ ليس حادثًا بيئيًا منعزلاً، بل مرآة لطريقة تدبير المشاريع العمومية في غياب الرقابة البيئية الصارمة… إعادة تأهيل المصب، وإرساء نظام مراقبة دائمة لجودة المياه، ومعاقبة الجهات المسؤولة عن التصريف غير القانوني، ليست خيارات ترفيهية، بل واجبات قانونية وأخلاقية.

وإلى أن يتحرك المسؤولون، سيظل البحر يلفظ جثث أسماكه على الشاطئ… ومعها جثث الأمل في أن تكون التنمية صديقة للبيئة، لا قاتلة لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى