الرئسيةمجتمع

مراكش بين النجوم والواقع.. حين تتحول الفخامة ل”حساب بنكي”

قبل أن تحزم حقيبتك، وتستعد لهرب قصير إلى مراكش، حيث التاريخ يتنفس بين أسوار المدينة العتيقة والنخيل يتمايل كراقصين على نغمات الرياح، هناك سؤال واحد يفرض نفسه: أين ستقضي ليلتك؟ يبدو السؤال بريئاً، لكنه في مراكش يتحول إلى لغز مكلف، بين فندق خمس نجوم يغريك بالترف المصطنع، ورياض تقليدي قد يمنحك دفءً حقيقياً، في مراكش، العاصمة السياحة المغربية، لا يكفي أن تحجز غرفة بخمس نجوم لتشعر بأنك “ملك زمانك”.. النجوم هنا ليست سوى زينة معلقة على الواجهة، قد تلمع ببهاء، لكنها لا تضمن لك لا قهوة ساخنة في الصباح ولا مصعداً يشتغل في المساء.

980 معياراً.. وتغيب التفاصيل الصغيرة

النظام الجديد لتصنيف مؤسسات الإيواء في المغرب يفرض ما يقارب 980 معياراً، بعضها صارم في البنية التحتية والتجهيزات، وبعضها يتعلق بالتحول الرقمي. . لكن السياح كثيراً ما يكتشفون أن أهم التفاصيل لا تخضع للمعايير: ابتسامة موظف الاستقبال، أو سلامة المكيف في عز الصيف، أو حتى جودة قهوة الصباح

عندما تخدعك النجوم

يختصر الزبير بوحوت، الخبير السياحي، الحكاية قائلا: “اليوم حتى الرياض التقليدي يمكن أن يحصل على أربع نجوم إذا استوفى الشروط”. جميل، لكن ماذا لو كان الإفطار عبارة عن كسرة خبز وشاي بالنعناع؟ لا تقلق، فالمعايير تضمن لك موقعاً إلكترونياً على الأقل، يمكنك أن تكتب فيه تعليقاً غاضباً.

مفارقة مراكش أنها قادرة على مفاجأتك في الاتجاهين: رياض بنجمتين قد يقدم لك إفطاراً أسطورياً فوق سطح يطل على جبال الأطلس، بينما فندق بأربع نجوم قد يستقبلك بوجه عابس ومصعد عالق منذ عيد الأضحى الماضي.

القيمة الحقيقية.. في الجيب لا في النجوم

على صعيد آخر، تتحول الأسعار في موسم الذروة إلى “بورصة”، ترتفع كلما اقتربت من ساحة جامع الفنا، تدفع أحياناً ثلاثة أضعاف ثمن رياض صغير لمجرد أن الفندق يملك مسبحاً بحجم “بركة وضوء”، هنا، يذكرك بوحوت: “أنت لا تدفع ثمن الخدمة دائماً، بل ثمن العنوان وشكل المبنى”.

فالفخامة الحقيقية لا تقاس بعدد النجوم، بل بعدد الصفرات الإضافية التي تُسحب من رصيدك البنكي.

النزيل.. الحكم الأخير

المفارقة أن 70% من السياح اليوم لا يصدقون النجوم الرسمية حسب دراسة أكاديمية منشورة على Science Direct ، بل يصدقون نزيل مجهول كتب تعليقاً على موقع بوكينغ: “الغرفة نظيفة، لكن صاحب الفندق ينبح أكثر من كلبه”، التعليقات الرقمية صارت أقوى من التصنيفات الرسمية، حتى أن وزارة السياحة تفكر بدمجها في نظامها الجديد،

قصص ساخرة من قلب مراكش

سائح فرنسي كتب على Tripadvisor عن فندق أربع نجوم قرب ساحة جامع الفنا: “الغرفة واسعة، لكن الماء الساخن كان يأتي بمواعيد، كأنه موظف إداري له أوقات دوام محددة”.

مسافرة إسبانية اختارت رياضاً صغيراً بنجمتين في المدينة العتيقة، كتبت على Booking: “السرير لم يكن مريحاً، لكن الإفطار على السطح مع منظر جبال الأطلس جعلني أنسى كل شيء.. دفعت القليل، لكن حصلت على ذكريات كثيرة”.

زوجان بريطانيان أقاما في فندق خمس نجوم فاخر، وعلقا: “المسبح ضخم، لكن الشموع على الطاولات انطفأت مع أول هبة ريح، وعندما طلبنا استبدالها، أجابنا النادل بابتسامة باردة: النجوم في السماء تكفي للإضاءة”، لتتحول التجربة إلى مادة ساخرة تثير الضحك أكثر من الرضا.

الفخامة الحقيقية ليست للبيع

في النهاية، مراكش تعلمك درساً بليغاً: الفخامة لا تُشترى، بل تُعاش، قد تجدها في ابتسامة صاحب الرياض، أو في شاي بالنعناع فوق سطح مطل على الأطلس، لا في لوبي فندق رخامي ولا في خمس نجوم ذهبية، فالنجوم هنا للعرض فقط، أما التجربة الحقيقية فهي تلك التي تترك لك ذكرى، لا فاتورة ثقيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى