الرئسيةمجتمع

جريمة اغتصاب قاصر تكشف الوجه الاخر لموسم مولاي عبد الله

تحوّل موسم مولاي عبد الله، الذي يفترض أن يكون مناسبة للاحتفال والتلاقي الشعبي، إلى مسرح مأساوي بعدما اهتزا الأوساط الحاضرة بالموسم أو غير الحاضرة على وقع جريمة اغتصاب جماعي لطفل لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره..

مأساة عارية تكشف، من جديد، أن وراء الأهازيج والبارود، تختبئ فوضى وانفلات أمني يفتح شهية المنحرفين لارتكاب أبشع الجرائم في حق أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا أنفسهم في المكان الخطأ، وفي بلد يتعامل مع حماية الطفولة باعتبارها ترفًا وليس أولوية.

جريمة تتجاوز حدود المأساة الفردية

لم يكن يتصور الطفل الضحية، القادم من اليوسفية، أن رحلته القصيرة إلى موسم التبوريدة ستنتهي بكابوس يطارده جسديًا ونفسيًا. انهياره عند عودته إلى مدينته، ونقله على وجه السرعة إلى المستشفى، لم يكشف فقط حجم العنف الذي تعرّض له، بل فضح أيضًا هشاشة منظومة الحماية في تظاهرات تستقطب عشرات الآلاف دون أن تتوفر فيها أدنى شروط الأمن والرقابة.

الأرقام أبلغ من الحكاية

القضية ليست استثناءً ولا حادثًا معزولًا.. فالإحصائيات الرسمية تعكس بوضوح كارثة متفاقمة:


حيث عرفت سنة 2023 لوحدها تسجيل 3979 قضية اعتداء جنسي على الأطفال، أي بزيادة مقلقة عن 2022 التي سجلت 3295 قضية، والأدهى أن هذه الأرقام تمثل قرابة 44% من مجموع الجرائم ضد الأطفال فقط، ما يعني أن الاعتداء الجنسي صار الشكل الأكثر شيوعًا من العنف ضد الفئات الهشة.

وإذا عدنا إلى سنة 2021، نجد أن الاعتداءات بلغت 2998 قضية، مقابل 2261 في 2020، ما يكشف منحى تصاعديًا خطيرًا، رغم الشعارات الرسمية عن الحماية والرعاية.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات جافة، بل هي مرآة لواقع مخيف: ما لا يقل عن 9 أطفال يتعرضون يوميًا لاعتداء جنسي في المغرب، بينما قد تصل الحالات الفعلية إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم نظرًا لثقافة الصمت والوصمة الاجتماعية التي تمنع الأسر من التبليغ.

موسم للفرجة أم سوق مفتوح للجريمة؟

حين يتحدث المسؤولون عن موسم مولاي عبد الله، يشيدون بالموروث الثقافي، وبالعائدات الاقتصادية، وبقدرة الموسم على جذب السياح، لكنهم ينسون، عمدًا أو عن جهل، أن مثل هذه التظاهرات تتحول، بسبب غياب التنظيم والأمن، إلى فضاء للفوضى، تُرتكب فيه الجرائم بعيدًا عن الأعين.. و يبقى السؤال الذي يطرحه المواطن اليوم: كيف يُعقل أن تُخصص الملايين لتأثيث العروض الفلكلورية، بينما لا تُخصص ميزانيات لتأمين الأطفال والنساء وسط هذا الحشد البشري؟

بين الغضب الشعبي واللامبالاة الرسمية

ردود الفعل الحقوقية لم تتأخر، حيث طالبت الجمعيات بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة الجناة، مع توفير مواكبة نفسية للطفل الضحية، لكن هل يكفي ذلك؟ أم أننا بصدد تكرار نفس المسرحية التي نراها مع كل مأساة: غضب شعبي، بيانات حقوقية، ووعود رسمية تتبخر مع أول خبر عاجل آخر؟

المجتمع لم يعد يطالب فقط بالمحاسبة القضائية، بل يصر على ضرورة الاعتراف بفشل السياسات الحالية في حماية الطفولة، فحين يصبح الاعتداء الجنسي على الأطفال ظاهرة هيكلية، فهذا يعني أن الخلل ليس في الجناة وحدهم، بل في دولة لم تستطع ” أو لم ترد” بناء منظومة حماية فعالة.

الطفولة في مواجهة دولة عاجزة

الضحايا ليسوا مجرد أرقام، بل وجوه بريئة تجرّ معها مستقبلًا محطّمًا. الدراسات النفسية تؤكد أن الاعتداءات الجنسية تترك جروحًا نفسية غائرة قد تلازم الضحية طيلة حياته، ومع ذلك، لا زال الدعم النفسي في المغرب ترفًا نادرًا، لا يتوفر إلا في بعض المدن الكبرى، وغالبًا بجهود جمعيات مدنية بميزانيات هزيلة.

وفي الوقت الذي تُرصد فيه ملايير الدراهم لمشاريع فلكلورية أو لوجستية، يبقى الاستثمار في الصحة النفسية للأطفال والبرامج التوعوية حبرًا على ورق.. وكأن الدولة تقول ضمنيًا: “الأولوية للفرجة، أما الطفولة فلتنتظر دورها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى