الرئسيةسياسة

الخضر والفواكه باتت رفاهية عند فقراء المغرب..بين جشع الأسواق وغياب الحكومة

تحرير: جيهان مشكور

تعيش الأسواق المغربية على وقع ارتفاعات متتالية في أسعار الخضر والفواكه والمنتجات الغذائية الأساسية، ما حول سلال التسوق إلى عبء ثقيل على الأسر، وخصوصا الفئات المتوسطة والفقيرة التي باتت تتقن فنون “التقشف المنزلي” دون أن تسميه كذلك.

فالأزمة لم تعد ظرفية ولا موسمية، بل أصبحت واقعا يوميا يعيد طرح سؤال طالما تجاهلته الحكومة: من يحمي القدرة الشرائية للمغاربة في زمن الغلاء؟

الخضر والفواكه… رفاهية جديدة على موائد المغاربة

في جولة بسيطة داخل أسواق عاصمة سوس أكادير و قس على ذاك بافي كبريات المدن المغربية ، يمكن تلمّس ملامح الغضب في أعين المتسوقين.. البطاطس، التي كانت تُلقّب بـ”صديقة الفقراء”، صعدت إلى 7 دراهم للكيلوغرام الواحد، بعدما كانت قبل أشهر لا تتجاوز 3 دراهم. أما الطماطم، التي لا يخلو منها مطبخ مغربي، فقد استقرت عند 7 دراهم، فيما تجاوز سعر البصل في بعض المناطق 8 دراهم، وكأنه أصبح سلعة فاخرة.

هذا الارتفاع لم يقتصر على الخضر، فالفواكه هي الأخرى غادرت “قائمة المتناولين” لتستقر في رفوف “الترف الغذائي”: التفاح بـ12 دراهم، العنب بنفس السعر، والموز الذي لطالما كان ثمرة في متناول الجميع، قفز إلى 23 درهما للكيلوغرام الواحد، أما البطيخ والشمام فصارا جزءا من “ذكريات الصيف الماضي”، بعد أن تجاوزت أسعارهما قدرة كثير من الأسر.. أرقام تختزل مأساة آلاف الأسر التي اضطرت لإعادة صياغة مفهوم التغذية من جديد.

السمك الشعبي… لم يعد شعبيا

في قطاع الأسماك، الصورة لا تقل قتامة، فالسردين، الذي كان يُعرف بـ”لحم الفقراء” ، تجاوز عتبة 20 درهما، وهو رقم يصعب استيعابه في بلد يطل على واجهتين بحريتين ويحتل المراتب الأولى عالميا في إنتاج الأسماك السطحية، و المفارقة هنا أن المغرب يصدّر أجود أنواع الأسماك إلى الخارج، بينما يترك للمستهلك المحلي فتات السوق بأسعار ملتهبة، ما يطرح سؤال العدالة الغذائية: لمن تُزرع وتُصاد هذه الثروات؟

بين الوسطاء والتصدير المفرط… المواطن الحلقة الأضعف

يعزي التجار هذه الزيادات إلى تعدد الوسطاء الذين يمر عبرهم المنتوج قبل وصوله إلى المستهلك، مما يرفع الأسعار بنسبة قد تتجاوز 40٪ في بعض الحالات، لكنّ خبراء الاقتصاد يشيرون إلى عامل آخر أكثر عمقا: “التصدير المفرط” الذي يوجّه أجود المنتجات نحو الأسواق الأوروبية والخليجية بحثا عن العملة الصعبة، تاركا السوق المحلية تحت رحمة العرض المحدود والطلب المرتفع، ويضيفون أن غياب مراقبة حقيقية من طرف السلطات المختصة يفتح الباب أمام المضاربة والاحتكار، في حين يظل المواطن الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.

ووفق معطيات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.8٪ خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2025، في حين سجلت أسعار الخضر والفواكه ارتفاعا يفوق 12٪ في بعض المدن الكبرى.. أما القدرة الشرائية للمواطن فقد تراجعت بأكثر من 10٪ خلال خمس سنوات، حسب تقارير مؤسسات مالية وطنية.

الحكومة تراقب… والمواطن يتأقلم

ورغم كل هذه المؤشرات، ما تزال الحكومة منشغلة بمؤتمراتها وتصريحاتها المطمئنة، متحدثة عن “إصلاحات هيكلية” و”مراقبة الأسواق” ، دون أن يلمس المواطن أثراً فعلياً لذلك في جيبه.، أما المراقبة، فهي كظل الوعود الانتخابية… تظهر على الورق وتختفي في الواقع.

في المقابل، لم يعد أمام الأسر سوى التأقلم القسري: تقليص الكميات، حذف بعض المواد من قائمة المشتريات، والاعتماد على “الخبز والشاي” كوجبة متكاملة اقتصادياً وإن كانت منعدمة غذائياً.
بينما تتسع الهوة الاجتماعية يوماً بعد يوم، يبقى السؤال الأكبر:
هل نحتاج إلى وزارة جديدة لمراقبة الأسعار، أم إلى ضمير اقتصادي يضع المواطن قبل الأرباح؟

حين يصبح الغلاء سياسة غير معلنة

إن الأزمة الحالية ليست مجرد موجة غلاء عابرة، بل هي نتيجة تراكمات اقتصادية وسوء تدبير مزمن لقطاعات الإنتاج والتوزيع، فحين يُترك السوق للمضاربين وتتعامل الجهات المسؤولة مع الأمن الغذائي كملف تقني لا كحق اجتماعي.، تُصبح المائدة المغربية أول ضحية، ويصبح الحديث عن “”لنموذج التنموي الجديد” مجرد شعار بلا طعم… تماماً كوجبة بلا طماطم.

في النهاية، يبدو أن السؤال الذي يؤرق المغاربة اليوم ليس: “ماذا نطبخ؟”، بل “هل ما زال في مقدورنا أن نطبخ؟”.

اقرأ أيضا…

تصاعد المطالب أمام الغلاء الفاحش…الحكومة ملزمة سياسيا بالتدخل لحماية جيوب المواطنات والمواطنيين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى