
في قلب الجبال الملتفة بين الغابات والقرى المنسية بإقليم الحسيمة، خرج تلاميذ مدرسة صغيرة بجماعة عبد الغاية السواحل ليكسروا صمت العطش.
وجوه طفولية تحمل في نظراتها أكثر مما تتحمله أعمارها، لافتات كتبت بعفوية وبأقلام المدرسة نفسها: “نريد الماء.. لا نريد الغياب!”
لم تكن تلك الوقفة مجرد احتجاج عابر، بل صرخة من جيل عطشان في منطقة تعاني من الانقطاع المزمن للماء الصالح للشرب، حتى داخل المؤسسات التعليمية، فالفصول بلا ماء، والمراحيض مغلقة، والسبورات تشهد على عطش تلاميذ لا يستطيعون غسل أيديهم أو شرب جرعة ماء بعد ساعة لعب أو تعب.
صرخة المدرسة الجبلية
المدرسة التي تقع وسط تضاريس وعرة في جماعة عبد الغاية السواحل، ليست وحدها من تعاني. فالأزمة المائية تضرب المنطقة منذ شهور، لتتحول مع الوقت إلى مأساة يومية.
المعلمات والمعلمون يجلبون الماء على ظهور الدواب أو في قنينات بلاستيكية لتلبية حاجات بسيطة، والتلاميذ يقطعون مسافات طويلة فقط ليملؤوا قنيناتهم من عيون قد تجف في أي لحظة.
أحد الأساتذة تحدث بحرقة قائلاً:
“كيف نطلب من الطفل أن يحلم بالمستقبل، وهو عاجز عن شرب الماء في مدرسته؟”
أزمة الماء.. أزمة كرامة
وراء المشهد البسيط احتجاج أكبر: أزمة ثقة في العدالة المجالية. فبينما تُدشَّن المشاريع الكبرى في المدن، تظل القرى الجبلية منسية، تُركت لتواجه قسوة الطبيعة دون بنية تحتية تحفظ كرامة ساكنيها.
في عبد الغاية السواحل، الماء ليس مجرد مورد حيوي، بل رمز للكرامة. حين يُحرم الطفل من الماء في المدرسة، فكأننا نقول له إن مستقبله غير مهم، وإن تعليمه يمكن أن ينتظر إلى أن تمتلئ الخزانات الفارغة.
رسالة إلى من يهمه الأمر
الاحتجاج الهادئ لتلاميذ عبد الغاية السواحل لم يكن فعل تمرد، بل فعل حياة. لم يصرخوا غضبًا، بل خوفًا من أن يذبلوا كما ذبلت عيون الماء في قريتهم.
هي صرخة يجب أن تُسمع في مكاتب المسؤولين، لا كمجرد خبر عابر، بل كنداء عاجل لإعادة الاعتبار إلى المدرسة القروية المغربية، التي تُقاوم من أجل البقاء وسط العزلة والنسيان.
في النهاية، قد لا يعرف هؤلاء التلاميذ معنى “العدالة المجالية” أو “السياسات المائية”، لكنهم يعرفون جيدًا معنى العطش، ويعرفون أن المدرسة بدون ماء ليست مكانًا للتعلّم، بل مرآة لعطش الوطن كله.