الرئسيةرأي/ كرونيك

تفاعلا مع الدعوة لحوار وطني شامل

بقلم المصطفى مفتاح

من المفيد، تبادل الرأي مع الصديق العزيز “يوسف اغويركات” الذي يتمتع بخصال الإنصات وآداب النقاش الهادئ والاحترام، دون ميل للسجال والانزياح عن شروط النقاش المتحضر.

يوسف اغويركات
المصطفى مفتاح

ملاحظة تتعلق بالمفاهيم

1. لدي ملاحظة تتعلق بالمفاهيم، ذلك أن مفهوم “الحوار الوطني” شديد الالتباس. هل معناه “النقاش” أو “التفاوض” أو “التشاور” أو تبادل الإعلان عن الآراء المختلفة حول القضايا التي تستدعي “الحوار الوطني الشامل” أو محاولة التقريب أو التحكيم بينها؟

لقد عرف المغرب “الحوار” بين النقابات والحكومة وأرباب العمل، تحت إشراف وتأطير وزارة الداخلية.

حوار متقطع غير منتظم، لكن غالباً ما تكون له نتائج، مثلاً على الحد الأدنى للأجور، مع التحكم الكبير للدولة في تأطيره وتسييره والحسم في نتائجه بما لا يزعج السياسات العمومية.

عرف المغرب “حوار” أدى إلى التطبيع

كما عرف المغرب “حواراً” أدى إلى التطبيع بين الأحزاب الوطنية وما كان يسمى ب”الأحزاب الإدارية”، في تسعينيات القرن الماضي، وأصبح المغرب يتوفر على “يمين” و”يسار” و”وسط” وسهل الطريق لإقرار “التناوب” في بعض تدبير بعض الشأن العمومي ومرحلة أخرى من “المسلسل “الديمقراطي” بعد أخيه “الهامش الديمقراطي” أيضاً.

2. لدي تساؤلٌ أيضا: هل ل”الحوار الوطني الشامل” شكل معتمد؟ أم أنه حسب الحاجة والموضوع قد يتخذ شكل “لقاءات ” مغلقة أو مفتوحة إلى هذا الحد أو ذاك؟ وهل له مجالٌ معتبر يمكن أن يخرج فيه بقرارات عينية ملزمة؟ أم أنه، مثل “الحوار” الكبير حول “تقرير الخمسينية” أو “النموذج الجديد للتنمية”، تكون الأشغال نفسها، ولو دون نتيجة عملية، هي الهدف، وفي أحسن المآلات، مصدر وحي وإلهام لما تأتي به الأيام من قضايا أو أحزاب جديدة أو ديباجات نصوص أو خطب؟ أو مجالا لتقديم المذكرات والآراء، قد يفضي إلى أحكام أو قرارات عليا كما حصل في دستور 2011، و”المدونة” و”الإنصاف والمصالحة” ….

طرف يضحي وطرف يسجن وينفي ويلاحق

3. تقر الدعوة بأن “المغرب أثبت منذ السنوات الأولى للاستقلال …قدرته على تحويل الأزمات إلى فرص، عبر تجارب وطنية في إدارة الأزمات…حملت في طياتها تضحيات جسيمة …سجناً ونفياً وملاحقات….” حسب النص. أهل يعني ذلك أن الحوار انتظم بين كيان مجهول وأصحاب “التضحيات الجسيمة! طرف يضحي وطرف يسجن وينفي ويلاحق؟

4. يلتقط قراء نص الدعوة، الهاجس النبيل الثاوي بين طياتها والمحاولة الجميلة لتجنيب البلاد في هذه المرحلة الدقيقة كل عناصر التأزيم والتصعيد، ولكنهم ، مثلي، سيبقون حائرين لأن الغموض وعدم تسمية الأسماء بمسمياتها الدارجة والطموح لالتزام “الرصانة” و”التعقل” قد يفقدها تأثيرها وسط المعنيات والمعنيين بالوضع القائم والمُخاطَبين، اليوم في هذه الأزمة التي يعرفها المغرب منذ انطلاق حراك “جيل زاي المغرب GEN Z 212” أو ربما قبيل ذلك حين وفاة ثمانية حوامل في مستشفى آكادير أو ربما منذ أحداث “آيت بوكماز” أو “زلزال الحوز” أو “حراك الريف ” أو منذ 1956 وخروج المغرب من “الحماية”.

5. ألا نرى أن “النقاش” الوطني، قد بدأ فعلياً، وأن أرضياته معلنة لعموم المغربيات والمغاربة؟

أرضية أطلقها شباب الحراك الجاري وعناوينها الكبرى “أولوية الصحة والتعليم الجيد والكرامة” على ما عداها من الأولويات “الرسمية”، وتفاصيلها المهمة:

تحجيم الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة واحترام المواطن وكرامته في وطن كريم.

وأرضيات مساندة تقترح إجراءات ملموسة مثل التعاطف مع ذوي الضحايا الذين قضوا، والتحقيق النزيه فيما وقع من أحداث عنفٍ، وإطلاح سراح المعتقلين الحاليين والسابقين وإطلاق سيرورة إصلاح دستوري يرجع الشرعية للشعب مصدر الشرعية و إطلاق “حوار وطني فعلي وشامل”، من جهة وإعلانات حزبية وحكومية تنتبه أن في البلاد شبابا واعياً يطالب بالأولي من الحقوق الإنسانية والاجتماعية للمغربيات والمغاربة، لكنها تلتزم فعلا بما ينتفض ضده الشباب ومساندوهم و بالأرضية القمعية المعروفة، منعاً واعتقالاً وتعنيفاً ومحاكمات سريعة وسنوات سجناً وغير ذلك من الصيغ المتعاقبة لبرمجيات “النموذج المغربي الرسمي” للحوار الوطني الوحيد المقبول من طرف الدولة.

6. وفي الختام، أتفهم أن “الدعوة للحوار الوطني الشامل”، ارتأت ألا تبادر بأية مطالب حول شروط الحوار ومواضيعه وإكراهاته وحدوده. لأنها تتقن الترافع والمناشدة ولا تعترف بتناقض المصالح بين المستفيدات والمستفيدين وبينهم وأبناء المغاربة الذين ينفقون على الدولة وإدارتها من مداخيلهم الهزيلة واستهلاكهم، لكي تمول تدبيرها المعروف وتجهيزها الموجه وفائدة الدين الداخلي والخارجي المتفاقمة وكلفة الفساد والريع.

7. ولعل الأرضية، من حيث لا تدري ربما، تريد من المغربيات والمغاربة “تضحيات جسيمة … “…حتى يعطي المغربُ الدليلَ اليوم كما الأمس ومنذ الاستقلال، على قدرته على تحويل الأزمات إلى فرص خاصة لاستفادة البعض!

اقرأ أيضا…

دعما لجيل زد..رسالة مفتوحة للملك،”حان وقت التحرك في العمق”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى