الرئسيةسياسة

إفطار الوزيرة.. بين تقشف الخطابات وترف الموائد

في قلب النقاشات العمومية حول التقشف ورفع الأسعار وغياب العدالة الاجتماعية، أطلّ خبر إفطار وزيرة المالية كقنبلة صغيرة في سماء السياسة المغربية، ليتحول إلى مادة دسمة للسخرية والانتقاد على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

إذ كشفت بعض المصادر الإعلامية أن ثمن إفطار الوزيرة اليومي يقدر بـ 2500 درهم، وهو ما يعادل خمسة ملايين سنتيم شهريًا إذا احتسبناه على مدار شهر كامل.. رقم قد يثير الدهشة والصدمة في آن واحد، خاصة في بلد يواجه فيه المواطنون العاديون صعوبة في تغطية أساسيات المعيشة اليومية.

مفارقة الأرقام… فطور وزيرة مقابل شهرٍ من العرق

إذا صحّت الأرقام التي تداولتها المصادر الإعلامية، فإن تكلفة إفطار الوزيرة تصل شهرياً إلى خمسة ملايين سنتيم، أي ما يوازي أجور 25 ربّ أسرة يشتغلون في شركات الحراسة الخاصة، يتقاضى كلّ واحد منهم 2000 درهم شهرياً فقط.. بمعنى أبسط، ما تنفقه الوزيرة على وجبة إفطار واحدة يمكن أن يضمن حياة عشرات الأسر الفقيرة طوال الشهر، ما يجعل الإفطار اليومي للوزيرة أكثر من مصروف شهري كامل لحارس أمن يعمل بلا كلل أو ملل لحماية مؤسسات الدولة والمصالح العمومية.

التقشف للمواطن… والترف للمسؤول

الوزيرة التي تطالب المواطنين بتقليل الاستهلاك ومراجعة الدعم الاجتماعي والقبول بإصلاحات ” ضرورية”، تُمارس في المقابل نموذجاً مقلوباً من المسؤولية العمومية. فبينما تدعو إلى ضبط الإنفاق العمومي وترشيد النفقات، تُرسل رسالة رمزية معاكسة: الضغط لا يشمل ميزانيات الإفطار الفاخر ولا بنود الضيافة الرسمية.

بل إن هذه الصورة تلخّص علاقة الدولة بمواطنيها: دعوة إلى التقشف من فوق موائد مترفة، وخطابات عن “الإنفاق المسؤول” تُلقى من وراء أكواب الكابتشينو الإيطالي والمربى الفرنسي.. أليس من المفترض أن يبدأ الإصلاح من الأعلى، لا من بطون الجائعين؟

سياسة الأرقام الباردة ووجبات رسمية بادخة

تُظهر التقارير الرسمية أن معدل الدخل المتوسط في المغرب لا يتجاوز 3400 درهم شهرياً، وأن أكثر من 45% من الأسر الحضرية تعاني صعوبة في تغطية مصاريفها الأساسية، وفقاً لبيانات المندوبية السامية للتخطيط..

وفي المقابل، تُصرف آلاف الدراهم يومياً على “وجبة رسمية” لشخصٍ واحدٍ يمثل الدولة أمام الشعب، هنا تكمن المفارقة الحارقة: الدولة التي تُقنّن الدعم وتُقلّص النفقات، تُنفق في المقابل على مظاهر البذخ والرفاه، وكأن المال العام مزرعة خاصة للمسؤولين.

الفقر ليس قدراً… بل نتيجة سياسات

حين نعلم أن آلاف الشباب يشتغلون في الحراسة الخاصة بأجورٍ هزيلة لا تكفي حتى لكراء غرفةٍ مشتركة، نفهم أن الخلل ليس في ندرة الموارد، بل في طريقة توزيعها..فمن جهة، تُصرف الملايين على موائد رسمية ومكاتب فخمة وسياراتٍ حكومية تستهلك الوقود المدعوم، ومن جهةٍ أخرى، يُترك المواطن الفقير ليواجه الغلاء وحده..

أين هي العدالة الاجتماعية التي تتغنّى بها البرامج الحكومية؟ وأين هي القيم الأخلاقية التي يُفترض أن تميّز من يحمل مسؤولية المال العام؟

حين يصبح الفطور مرآة للسياسة

القضية ليست في كلفة وجبةٍ، بل في رمزية الموقف، فحين يفقد المواطن الثقة في أن مسؤوليه يشاركونه المعاناة، تنهار كلّ خطابات الإصلاح.. لا يمكن لوزيرة مالية أن تُقنع الشعب بالتقشف وهي تتذوّق أفخر الأطباق صباحاً، كما لا يمكن لحكومة أن تدّعي الشفافية وهي تُنفق الملايين على كماليات لا تمتّ للمصلحة العامة بصلة.

في النهاية، يبدو أن شعار “العيش الكريم” لم يعد يعني تحسين أوضاع المواطنين، بل ضمان رفاهية الطبقة السياسية التي تتقن فنّ الوعظ بالفقر وهي تغرق في النعيم، وربما حان الوقت لأن نسأل: هل التقشف في المغرب سياسة اقتصادية… أم عقيدة طبقية تُفرض من فوق موائد الوزراء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى