ثقافة وفنون

تقرير: ارتفاع الطلب على التدين في صفوف المغاربة دون موازاة بين الكيف والكم

أصدر المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، الذي يترأسه امحمد الهلالي، أحد مسؤولي حركة الإصلاح والتوحيد سابقا، تقريره الخامس من نوعه خلال العشرية الأخيرة والخاص بالمدة الفاصلة بين 2016 و2018، ومما ورد في هذا التقرير ارتفاع الطلب على التدين في صفوف المغاربة، مع التأكيد على أن مساجد المملكة تقدم حوالي مليون درس ديني، وكذا التنبيه إلى مفارقة مثيرة مفادها أن ارتفاع منسوب التدين لا يمنع من استمرار ظاهرة التطرف، حيث أجهضت قوات الأمن 300 مشروعا يخلفية إرهابية.

انطلاقا من هذه المفارقة  من وجهة نظر أصحاب التقرير، جاء هذا السؤال: هل يتطلب الأمر جيلا جديدا من الإصلاحات في الحقل الديني والقيمي؟ جوابا عليه تقرر أن “استمرار قدرة الجماعات المتطرفة على استدراج الشباب المغربي نحو براثن العنف، يؤكد أن النموذج المغربي في التدين لازال بحاجة إلى مزيد من الانفتاح والاستيعاب والإشراك حتى يحقق كل أهدا “ومن أهم خلاصات التقرير أن “هناك ارتفاعا في منسوب التدين” وسط المغاربة بمختلف فئاتهم، ما “يؤدي إلى ردود فعل نخبوية مستفزة أحيانا على شكل حركة “ماصايمينش” على سبيل المثال لا الحصر.

غير أن اتساع حالة التدين في مؤشراتها الكمية – يقول التقرير- لا يعني أن هناك تصاعدا في التدين النوعي. لكن الملاحظ ابتداء من التقرير الأول لسنتي 2007 و2008 هو حدوث تطور وتنوع في أنماط التدين. وقد تم وصل هذا التنوع بـامتداد التدين إلى فئات جديدة في المجتمع المغربي، وأيضا بصعود فاعلين جدد في الحقل الديني مثل الإعلام الجديد، وظاهرة الدعاة الجدد، وما إلى ذلك.

من خلاصات التقرير كذلك حصول إجماع حول الاختيارات المغربية في التدين، بحيث أصبح التقيد في الفتوى بالمذهب المالكي شائعا، وهو تطور جاء نتيجة التفاعل الإعلامي مع الفتاوى الدينية، ما دفع الفقهاء إلى البحث والاجتهاد من أجل أن تكون آراؤهم في القضايا الدينية منسجمة مع الاختيارات العامة للدولة ذات الصلة.

أضف إلى ذلكن ودائما من زاوية ووجهة نظر أصحاب التقرير، اقتناع مختلف الفاعلين بأهمية تثمين النموذج المغربي في التدين، ما جعله مصدر إشعاع دولي في الخارج، بحيث أصبح المغرب مصدرا لهذا النموذج.

ورغم تلك المكتسبات، فقد نبه أصحاب التقرير، إلى أن الوقت قد حان لإعطاء نفس جديد للنموذج المغربي في التدين، ليس بسبب استمرار ظاهرة التطرف وقدرة الجماعات المتطرفة على استقطاب الشباب المغاربة إلى بؤر التوتر، ولكن من أجل استيعاب أوسع لكل الفاعلين. وتماشيا مع هذا السياق، تمت الإشارة، إلى الأئمة  وخطباء المساجد الذين يتم توقيفهم في كل مرة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ الشيء الذي استدعى هذا السؤال: “كيف نضمن حرية الإمام في التأطير والتوجيه والترشيد، ولكن في إطار الثوابت الدينية للمملكة؟”، وكان الجواب: “ تتطلب التحديات إماما مبادرا وحرا ومصدرا للمعلومة الدينية، نحتاج أئمة يشعرون أنهم أحرار في عملهم”

في نفس السياق، قدم عبدالرحيم الشلفوات، أحد أعضاء الفريق الذي أعد التقرير، خلاصة إضافية للتقارير الخمسة المومئ إليها أعلاه ضمن مقابلة له مع صحيفة وطنية حيث قال إن أهم تحول يمكن رصده “هو العودة الشعبية إلى التدين”، وأضاف “أن هناك صحوة وسط الشباب والنساء وكل أبناء الشعب المغربي، وهذه الصحوة تعد الفاعل الرئيس في الحقل الديني، دفعت مختلف الفاعلين الآخرين إلى التفاعل معها واللحاق بها، ما أدى بهم إلى تغيير في البرامج والخطاب وحتى القناعات”.

واعتبر شلفوات أن تنامي أنماط جديدة من التدين وسط الشباب هي “من نتائج ارتفاع الطلب على الدين وسط المجتمع”. وهي أنماط تعبّر عن “التدين القلق”، أي حالات متباينة ومختلفة من التدين التي تحتاج إلى الفهم والاستيعاب من قبل مختلف الفاعلين

. من جهته، اعتبر خالد عاتق، العضو في نفس الفريق، في تصريح للصحيفة إياها أن التقرير يوفر رصدا أوليا للمعطيات والمؤشرات المهمة للباحثين، وهي مادة خام قد تساعد على الفهم والتحليل والاستشراف لظاهرة تنامي الطلب على الدين في المجتمع المغربي. ونوّه عاتق بمواظبة المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة على إصدار تقرير عن الحالة الدينية على مدى 10 سنوات، مؤكدا أن في ذلك خدمة كبيرة للباحثين والبحث العلمي، لأنه يرصد التوجهات الكبرى للحالة الدينية، من خلال الاعتماد على مائتي مؤشر دقيق وموثوق به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى