هل من إرادة سياسية لإنجاح إصلاح شامل وحقيقي لمغرب ما بعد كورونا؟
نعيش حاليا على إيقاعات كورونا التي عزلت ثلثي ساكنة العالم، في حالة ترقب وخوف من المستقبل. كيف سيكون المغرب ما بعد كورونا.
ما أشبه مغرب اليوم بالأمس ؟
لقد انخرط اغلب المواطنين في تنفيذ التدابير الاحترازية (إغلاق المدارس والمساجد واغلاق الحدود والخ.) واتباع الإجراءات الوقائية بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية رغم الملاحظات والانتقادات المسجلة. وتكفي الإشارة إلى أن القصر كان مصدر القرارات المهمة المتخذة في حين اكتفت الحكومة بدور الكومبارس، كما كشف إطلاق التعليم عن بعد الحجم المروع للفجوة الرقمية مما سيساهم حتما في اتساع الفوارق الاجتماعية، وتسجيل العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والممارسات الحاطة من كرامة المواطنين، وسوء تدبير قضية المغاربة العالقين في الخارج.
شكلت الأزمة فرصة لبعض المقاولين الانتهازيين للاستفادة من دعم صندوق التضامن وتضرر بعض الأجراء نتيجة الاقتطاعات بطريقة لا أخلاقية، الخ.
بعض مظاهر الأزمة
هنالك اعتراف جماعي بهشاشة المنظومة الصحية بالمغرب، نتيجة لعدة عوامل، منها السياسات الليبرالية في المغرب التي تسببت في تأزيم الاقتصاد الوطني والتي تم اعتمادها منذ الثمانينات من القرن الماضي واستمرت منذ سنة 1993 عبر برنامج خوصصة عدد كبير من شركات ومؤسسات القطاع العمومي، بدعوى تخفيف العبء على ميزانية الدولة وإحداث مناصب شغل جديدة، الخ. لكن لا علاقة لهذه السياسات بالحاجيات الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا، بقدر ما هي استجابة لإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إطار برنامج التقويم الهيكلي الذي كان من مضامينه رفع اليد عن دعم القطاعات العمومية، وخضوعا للقوى الغربية الهادفة لفرض سيطرتها على مصادر ثروات وخيرات الشعوب المستضعفة ومن بينها المغرب، وبالتالي لا يمكن اعتباره قرارا سياسيا وطنيا مستقلا لإخراج البلاد من الأزمات.
وفي هذا الإطار، لم يسلم القطاعين الأساسين في تنمية أي بلد، التعليم والصحة، من الخوصصة ليصل بنا الحال اليوم إلى فتح باب الاستثمار في قطاع الصحة لغير الأطباء مما يجعله قطاعا للربح فقط في غياب تم لأي إستراتيجية تجعل من القطاع الخاص تكميلي وليس أساسي وفقا لأهداف مسطرة.
أي إرادة سياسية في المغرب ؟
إن تجاوز أزمة كورونا يضعنا أمام الأسئلة التالية: هل سيتم إصلاح المنظومة الصحية في المغرب؟ هل سنجعل من التعليم أولوية؟ هل سنعمل على تأهيل وتقوية النسيج الاقتصادي الوطني؟ هل تتوفر إرادة سياسية حقيقية للتحرك والنهوض بجميع القطاعات العمومية التي تعتبر ركائز أساسية؟.
إن مسألة تواجد إرادة سياسية قوية في المغرب ارتبط عبر التاريخ بضمان استمرارية الحكم والمؤسسة الحاكمة في المغرب حتى وإن كان الأمر ليس في مصلحة الدولة ويشكل خطر على المخزن بذاته وظلت السياسات آنية مكتفية بمعالجة المشكل أمنيا في الغالب في لحظته فقط
وهنا نتذكر جيدا حقبة توقيع عهد الحماية وكيف تأزمت الأوضاع السياسية، ضعف السلطان وتمرد الريسوني والثوار ضد الحكم في المغرب انتهاء بتوقيع السلطان على عهد الحماية والسماح للمستعمر بنهب ثروات البلاد، حيث مازلنا نعيش إلى يومنا تداعيات هذه الحقبة. كما احتفظ التاريخ باستعمال المخزن للدين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تهميشه للتدين الشعبي وتشجيعه للمد الوهابي لمواجهة المد اليساري، الذي كان ولا زال ينادي بإصلاحات سياسية واجتماعية عميقة تعطي الحكم للشعب وتخدم مصالحه. وكذا التفافه على مطالب حركة عشرين فبراير لتجاوز ريح التغيير الديمقراطي التي عرفتها المنطقة المغاربية والعربية بالخصوص.
إن حجم التحديات المطروحة اليوم يفرض القطع مع الاختيارات السياسية والاقتصادية المتبعة من حيث الاكتفاء بضمان استمرار مؤسسة المخزن ضد مصالح وتطلعات الشعب المغربي. وبالتالي إشراك القوى الحية في تشييد مغرب الغد من أجل مغرب آخر ممكن بات ملحا سواء بالتعاقد لمصلحة الشعب، أو خلق جبهة عريضة مناضلة تفرض موازين قوى في خدمة المشروع المناهض للاستبداد والمؤمن بالعدالة الاجتماعية والمساواة والاستقلال الفعلي من تحكم وهيمنة الرأسمالية والامبريالية على المغرب.