بناء مسجد وبناء مستشفى.. أيهما أرفع أجرا في ظل خطر صحي شديد الوطأة على بلادنا؟
كتبت إحدى الصديقات على صفحتها:
“أيها المحسنون الذين يتسارعون لجمع التبرعات لبناء مسجد ،ألا تفكرون في بناء مستشفى، فهناك أيضا مرضى يذكرون اسم الله بكرة وعشية “
إنها تدوينة فيها من المعاني والرموز ما لا يدع مجالا للشك بأن هناك أمور يجب أن نعيد النظر فيها بعد أن باغتنا المرض اللعين في عقر وطننا ليفتك بالأرواح دون تمييز بين الغني أو الفقير، لا يميز بين الكوخ او البلاط.
هي فعلا صرخة على شكل تدوينة من جسد زاره المرض اللعين، وألزمه الفراش في إحدى الغرف بجناح إحدى المستشفيات تنافت فيه التمايزات الاجتماعية، وأصبح الأنين والابتهالات هوُيّتهمُ الوحيدة التي يتقاسمونها جميعا، ومنهم من يؤدي صلواته على سرير المرض في أوقاتها، بل منهم من يزيد عليها بالنوافل والرواتب.
وهنا حجر الزاوية التي تلزمنا أن نسائل أنفسنا وكل أولئك الذين يرون أن ذكر الله يقتصر على مكان دون آخر ، وعلى أن الأجر موفور لمن يساهم في بناء مسجد تقام فيه الصلوات في اوقات معينة ، لتغلق أبوابه بعد أدائها ، في الوقت الذي تداوم المستشفيات أداء مهامها دون انقطاع، وتتوالى الابتهالات وصلوات المرضى في كل وقت وحين بالغدو والآصال ، كما تداوم الأطقم الطبية في أداء واجبها وأداء الصلوات في مقرات العمل المحاذية أحيانا لغرف الانعاش حرصا على سلامة المرضى .
خلال الحجر الصحي أغلقت كل المرافق الحيوية ولم تستثنى المساجد من ذلك، وارتكز النقاش والبلاغات على كافة المستويات على وضعية المستشفيات والطاقة الاستيعابية والاطقم الطبية. ولم يخطر ببال أحد آنذاك ، أنه في حالة ما إذا انهارت المنظومة الصحية ، فالمساجد ستبقى بسجاداتها المُزكْرشة وزخرفاتها المختلفة قائمة في مكانها ، بصومعاتها الشاهقة التي لن تحُدّ من عدد المصابين وضحايا الفيروس اللعين ، ولن ترفع من معنويات الأطر الطبية الذين يعانون في صمت ومنهم من أُرغم على أن يرابض في المستشفى بعيدا عن أهله وذويه.
لا أدري لماذا ارتبط الأجر الموفور وأعلى درجاته ببناء مسجد ، وكأنّ منسوب ذكر الله لا يعلى شأنه إلا بين جدران المسجد ،وكانّ بيوت الله التي يذكر فيها اسمه تقتضي إلزاما تشييدها على نحو معين وبهندسة معمارية معينة؛ ويتناسى المسلمون أن صدر الإسلام لم يعرف هذا الإسراف في البناء والهندسة المعمارية لبيوت الله .
مع استمرار تطور جائحة كورونا، تحتاج بلادنا إلى تنفيذ مجموعة شاملة من التدابير الصحية،
تتلاءم والوضع الوبائي، والوقاية من انتشار الفيروس والحدّ من عدد الوفيات. فمواجهة هذه الجائحة ومثيلاتها تقتضي تكثيف الجهود للحد من انتشارها ، وهو ما يستدعي أن نتساءل هل هناك فعلا مرتبة أعلى عند الله من إنقاد الارواح ، والمساهمة في احتواء التهديدات المتزايدة النابعة من انتشار جائحة كورونا و غيرها من النوائب ، والعمل على توجيه أنظار المحسنين لبناء مراكز استشفائية وتوفير المعدات الطبية ، واعتبار ذلك في ظلّ الخطر الصحي الذي يهدد مجتمعنا برمته ، من افضل الأعمال الصالحة ، والصدقات الجارية تفوق في أجرها وحسناتها بناء مساجد قد تفتقد لمن يعمرها في حالة ما إذا استعصت المخاطر الصحية التي تحدق ببلادنا، خاصة بعد أن كشفت هذه الجائحة نقط الضعف الهيكلية على مستوى المنظومة الصحية ، وسلّطت الضوء على الحاجة إلى المزيد من التضامن .
أليس من باب المغالطة اعتبار جمع التبرعات لبناء مسجد في مثل هذه الظروف العصيبة له من الأجر والثواب كما هو الأمر في الأيام العادية ، او حينما يكون هنالك اكتفاء على مستوى البنيات الصحية ؟ ألا يمكن اعتبار ذلك مجانبا لكل المثل التي تستند عليها القيم الإسلامية من معانيَ التراحُم والتعاطف والتعاون.