جائحة كورونا ترخي بظلال قاتمة على آفاق الاقتصاد المغربي
أرخت جائحة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) بظلال قاتمة على الاقتصاد المغربي، بمختلف قطاعاته، متسببة في أزمة خانقة، خففت من حدتها الأمطار التي هطلت في الآونة الأخيرة على مختلف مناطق البلاد، منقذة بذلك الموسم الفلاحي في المغرب الذي تشكل الفلاحة عصب اقتصاده.
فعلى الرغم من أن الأرقام المسجلة على مستوى الإصابات والوفيات التي أفرزتها جائحة (كوفيد-19)، لا تعتبر كبيرة مقارنة مع بلدان أخرى، فإن فترة الإغلاق التام للبلاد، بعد إقرار الحجر الصحي، وحالة الطوارئ الصحية التي رافقتها، بالإضافة الى إغلاق الحدود البرية والجوية، كلها عوامل، أدت إلى توقف عجلة الاقتصاد المغربي، الذي أصيب بشلل شبه تام، واضطرت معه الحكومة إلى وضع بدائل واستراتيجيات لاحتواء تداعيات هذه الأزمة غير المسبوقة، ووضع خطط وبرامج لتحقيق تطور في اقتصاد البلاد واستعادة عافيته.
في هذا السياق بادرت السلطات المغربية منذ بداية أزمة فيروس كورونا الجديد، إلى تشكيل “لجنة اليقظة الاقتصادية”، التي عهد اليها بتحديد الإجراءات الرامية إلى معالجة وضعية الكساد الاقتصادي، من خلال وضع شروط استئناف الشركات والمصانع لأنشطتها، إضافة الى إنشاء صندوق خاص (صندوق كوفيد-19) الذي وصلت موارده إلى نحو 3.2 مليار يورو، خصص جزء منها لدعم المقاولات، وتحسين تنافسيتها، وتحفيز النشاط الاقتصادي، فضلا عن تسريع العديد من المشاريع، والبرامج في طور الإنجاز، وإطلاق الإصلاحات الهيكلية، الكفيلة باسترجاع اقتصاد المغرب لحيويته.
في تعليقه على ذلك قال الخبير الاقتصادي المغربي المختص في المالية العمومية، المنتصر السويني،في تصريح لوكالة أنباء (شينخوا) إن الحكومة المغربية لجأت في مواجهة ما أسماه بثلاثية “الرعب الاقتصادي والرعب الاجتماعي والرعب الصحي” إلى القيام بإجراءات تستهدف الحفاظ على العقد الاجتماعي، ومنها تبني استراتيجية الصرف، التي تعني البحث عن موارد مالية “في بلد مديون، احتياطاته من العملة الصعبة بالكاد تغطي واردات خمسة أشهر خصوصا وأن أزمة (كوفيد-19) والحجر الصحي، وجها ضربة قاسية للمداخيل الضريبية”، مشيرا إلى أن الحكومة المغربية فضلت الاعتماد أساسا على الاستدانة، في البحث عن التمويل، من أجل مواجهة الأزمة، “باعتبارها حلا سهلا ينسجم ومنطق السوق”.
واعتبر المنتصر السويني، وهو أيضا أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “استراتيجية الصرف غير المحسوبة “يمكن أن تنقل البلاد من الأزمة الاقتصادية إلى أزمة مالية، من خلال الاستمرار في تمويل الإقلاع الاقتصادي، والانزلاق بالتالي من استراتيجية التنشيط الاقتصادي إلى استراتيجية رهن المستقبل”.
في هذا السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي المغربي، خالد حمص، في اتصال هاتفي مع وكالة أنباء (شينخوا)،أن بوادر الأزمة الاقتصادية في المغرب بدأت تظهر بإلغاء حجوزات السفر، مما كان له آثار وخيمة على قطاعات السياحة والصناعة التقليدية والنقل، مبرزا أن مجالات التجارة الدولية واللوجستية شهدت هي الأخرى تعثرا، مما أثر سلبا على الإمداد بالمواد الأولية ونصف المصنعة. وأضاف أن سلاسل الانتاج بمختلف الفروع الاقتصادية سجلت اضطرابات ، مما دفع بعض وحدات الإنتاج الى الاشتغال بالحد الأدنى لتفادي التوقف التام، فيما اقفلت أخرى أبوابها، الشيء الذيخلق ضغطا على السيولة المالية ووضع المؤسسات والمقاولات والأشخاص في مأزق مالي حاد.
ومن أجل التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية بادر المغرب إلى اعتماد موازنة تعديلية، تأخذ بنظر الاعتبار، المتغيرات التي طرأت على اقتصاده.
وضمن هذا الإطار أكد خالد حمص، الذي يشغل أيضا منصب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة سلا، أن الحكومة المغربية عملت أمام هذا الوضع على إعطاء “إشارات قوية لكل الفاعلين الماليين والاقتصاديين والاجتماعيين والمدنيين وكل الشرائح الاجتماعية تتمثل في مساعدات اجتماعية وتسهيلات مالية و تخفيضات وإعفاءات ضريبية وتبسيط للإجراءات الإدارية ورقمنة الموارد مع اعتماد سياسة نقدية ومالية عقلانية”.
وبخصوص الآفاق المستقبلية لاقتصاد المغرب، توقع تقرير لوزارة المالية المغربية، صدر في الآونة الأخيرة، أن يبلغ متوسط النمو الاقتصادي للبلاد 4.5 % في الفترة من 2021 إلى 2023 .
وأوضح التقرير أن التوقعات الاقتصادية لسنة 2021 تأخذ بعين الاعتبار أيضا تنفيذ خطة إنعاش مختلف قطاعات الاقتصاد المغربي الرامية إلى الحد من الآثار السلبية للأزمة الصحية المرتبطة بـ(كوفيد- 19)، على النسيج الاقتصادي.
وفي تعليقه على توقعات وزارة المالية المغربية قال خالد حمص، إن تنفيذ خطة الإنعاش هذه تتطلب خلق “دينامية إيجابية” لتجاوز الأزمة في كل القطاعات خاصة أن التضخم ظل في مستوى منخفض مدعوما باستقرار قيمة الدرهم المغربي.