سياسةفي الواجهة
الشرقاوي: ليس من الحكمة حاليا توسيع نطاق القطيعة والتوتر مع العواصم الأوروبية
قال محمد الشرقاوي، إن النبرة التبريرية في نص الرسالة، التي وجهها بوريطة لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بخصوص العلاقة مع ألمانيا، تنم عن نزعة انفعالية تتوخى القطيعة مع ألمانيا بقرار تجميد عقود وأنشطة سفارتها في الرباط، وأنها لم تترك النافذةَ مفتوحةً لإدارة تلك الخلافات بالسبل الدبلوماسية وفي أروقة مغلقة، ويتردّد أن رسالة بوريطة جاءت احتجاجا على رفع علم “الجمهورية الصحرواية”، المعلنة من جانب واحد، أمام مبنى بلدية بريمن الألمانية، حيث علقت نائبة رئيس البلدية التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني Antje Grotheer بالقول “الحرية لآخر مستعمرة في أفريقيا”.
وأضاف، استاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا، متسائلا: “فهل يستوي المنطق السياسي حقيقة لردة فعل السيد بوريطة ومن خلفه الحكومة المغربية على تصريح نائبة رئيس بلدية لا يلزم لا الحزب الديمقراطي الاجتماعي ولا حكومة ميركل في هذه المرحلة؟ ولماذا تمعن الرسالة في موقف تصعيدي في الرباط، بدلا من اتباع دبلوماسية جدلية وتفاعلية تسعى لتقريب المواقف بدلا من تصلّبها مع برلين وغيرها.
في السياق ذاته، أكد محمد الشرقاوي، في مقال له نشره على صفحته على الفايسبوك، أن وزير الخارجية ناصر بوريطة يبدأ رسالته إلى أعضاء الحكومة المغربية بالتبرير بعبارة malentendus profonds أو “قضايا سوء فهم عميق” مع ألمانيا بشأن ما يعتبره “قضايا حيوية بالنسبة المغرب”. ويدعو شتى الوزارات ل”تعليق كافة أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في جميع الحالات وبأيّ شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها.”
في السياق ذاته، أشار الشرقاوي، أنه قد يقول قائلا إن حكومة المغرب تمارس سيادتها واختياراتها في تدبير سياستها الخارجية، ولها الحقّ في اتباع شتى السبل الممكنة. وقد يصل الدفاع عن موقف بوريطة حدّ الاعتداد بضرورة ممارسة الضغوط على موقف إحدى الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، وموقف برلين من القضية المعروضة أمام المحكمة الأوروبية، لكن النبرة التبريرية في متن الرساله، يضيف الباحث، تنم عن نزعة انفعالية تتوخى القطيعة مع ألمانيا.
في السياق ذاته، سجل محمد الشرقاوي، أن إحدى المواقع الموالية لوزارة بوريطة حاولت”تبرير”، أو بالأحرى تمويه، الخطوة المغربية بأنها ردّ على رفض الحكومة الألمانية تسليم محمد حجيب، المدان سابقا بتهمة تورطه في “الإرهاب” في السجون المغربية، إلى السلطات في الرباط، هو اجتهادٌ تبريريٌ آخر يحيد عن مجرى الأحداث، ولا يتّسق مع المنطق بأن قضية متهم واحد قد تجرّ العلاقات المغربية الألمانية إلى منحدر من هذا المستوى، على حد تعبير الشرقاوي.
واسترسل المتحدث ذاته، بالإشارة، أنه و في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي، دعا مندوب ألمانيا في الأمم المتحدة كريستوف هوزگن لعقد جلسة في مجلس الأمن في ضوء أحداث الگرگرات، وتحلّل جبهة البوليساريو من اتفاق الهدنة الذي رعته الأمم المتحدة منذ 1991، واعتراف حكومة ترمب بسيادة المغرب على الصحراء. وقال “نريد التشديد مجددا على النقطة التي دأبنا على المناداة بها خلال العامين الماضيين: بالنسبة لنا، حل النزاعات بطريقة سلمية يعني الالتزام بالقواعد وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي.”
وأضاف، أنه و في الرابع عشر من يناير الماضي، كانت تصريحات السفير الألماني في الرباط گودز-شميت بريم إيجابية للرباط عندما دافع عن جدوى خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب. وقال وقتها إن “من الصعب إيجاد حل أكثر واقعية”. وقد منحت برلين مساعدات بأكثر من 700 مليون يورو لدعم مشاريع التنمية في المغرب.
الشرقاوي، اعتبر أن هذه المواقف والتصريحات الألمانية تنمّ عن موقف غير مناهض لمصلحة المغرب، لكن إذا اعتمدنا أدوات تحليل الأزمات، يبدو أن رسالة بوريطة ستدفع برلين إلى إعادة حساباتها ضمن سياق إقليمي ودولي مرن، وتداعيات ميزان القوة المتحرك في منطقة البحر المتوسط، مشيرا أن وزارة بوريطة تتجه نحو توسيع قائمة الدول التي لم تعد تربطها علاقات إيجابية مستقرة مع الرباط، ومنها الجار ة القريبة إسبانيا، وهولندا، وبلجيكا، ناهيك عن الدول الاسكندنافية التي لا تؤيد موقف المغرب.
في السياق ذاته، قال الشرقاوي، إنه ليس من الحكمة حاليا توسيع نطاق القطيعة والتوتر مع العواصم الأوروبية، مما سيعزز دعاوى سياسية لوضع المغرب في نطاق عزلة إقليمية، ولا تزال النخب في تونس والجزائر وليبيا تناقش دعوة راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة قبل أيام لبناء اتحاد مغاربي ثلاثي الأضلاع دون عضوية المغرب وموريتانيا، مؤكدا أن هذا مؤشر آخر على توجس النخب المغاربية والعربية مما يتردد على أنه “تطبيع مع إسرائيل”، على غرار الإمارات والبحرين.
وكانت كشفت رسالة وجهها وزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة إلى سعد الدين العثماني، وأعضاء الحكومة، عن قرار للمغرب، بقطع علاقاته المؤسساتية مع السفارة الألمانية.
وقال بوريطة في الرسالة إلى العثماني، إن “هذا القرار جاء بسبب سوء “التفاهم العميق” مع ألمانيا في قضايا أساسية تهم المملكة المغربية”.
ودعا بوريطة، في مراسلة في الموضوع ،كل القطاعات الحكومية المغربية إلى وقف كل أنواع الاتصال أو التعاون مع السفارة الألمانية، وكذلك مع منظمات التعاون والمؤسسات السياسية الألمانية التي لها علاقة بالسفارة.
وأوضح بوريطة، أن القرار يتعلق بقطع جميع العلاقات التي تجمع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية مع نظيرتها الألمانية.
ويشمل القرار أيضا، قطع جميع العلاقات مع مؤسسات التعاون، والمنظمات السياسية الألمانية، التابعة للسفارة الألمانية.