انبعثت الحياة من جديد في مفاصل المدينة القديمة بفاس، خلال الأيام الأخيرة التي تسبق شهر رمضان الأبرك، بإقبال زوار المدينة وعشاق الذوق المغربي الأصيل على اقتناء عدد من المنتوجات التي تؤثت مائدة الإفطار.
ويختار زوار المدينة القديمة، هذا الإرث التاريخي العالمي، ساحة “الرصيف” مدخلا من أجل الولوج إلى عدد من المحلات التجارية المتخصصة في بيع لوازم تحضير حلوة “الشباكية” و”البريوات” و”سلو” وغيرها، باعتبارها من المواد التي تحمل بصمة العبقرية اليدوية، وتشكل أحد الركائز الضرورية لعادات الاستهلاك في الوجبات الرمضانية.
ويفضل رواد آخرون بدء جولات المدينة القديمة من ساحة “أبي الجنود” المعروفة في الذاكرة الشعبية بـ “باب بوجلود”، والمرور بـ “الطالعة الصغيرة” و”الطالعة الكبيرة”، للوقوف على محلات بيع الملابس الجلدية، والأحذية والملابس تقليدية، بعد ركود تجاري لمدة من الزمن نجم عن تداعيات الأزمة الصحية العالمية.
وترتفع شدة الصخب وتتعالى أصوات التجار عند التوغل في دروب المدينة القديمة مرورا بالمعلمة الدينية “مولاي ادريس” و”جامع القرويين”، وصولا إلى “قيسارية الكفاح” التي استفادت، قبل أكثر من ثلاث سنوات، من عملية ترميم وتأهيل لفضاءاتها ضمن 27 معلمة تاريخية.
ويقف الزائر للمدينة القديمة على حركة تجارية متجددة تسابق الزمن لإستقبال شهر رمضان، وتحدي الظروف الصعبة منذ تفشي جائحة كورونا، يحافظ فيها تجار وحرفيو المدينة القديمة بالرغم من ذلك على ابتسامتهم المعهودة، وعبارات ترحيبهم المأثورة، في تواصلهم مع الزبناء والعابرين.
وتعلو الابتسامة العريضة محيا ادريس السباعي، الذي يدير محلا للحلويات بزنقة “السنسلة”، حيث امتهن تحضير وبيع حلوى “الشباكية” ومشتقاتها، منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن.
وقد عبر السباعي، متحدثا لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن فرحه وارتياحه للحركة التجارية التي دبت من جديد بالمدينة القديمة، بخلاف السنة الماضية التي كانت قاسية وجعلت التجار يغلقون أبواب محلاتهم التجارية قبل شهر رمضان تطبيقا لقرارات الحجر الصحي. وقال إن التفاؤل والأمل يحفزانه مع عدد كبير من التجار المدينة القديمة، من أجل إستئناف الأنشطة التجارية بشكل طبيعي تزامنا مع تجاوز اكراهات الوضعية الوبائية.
ولوحظ أيضا انتعاش الأنشطة التجارية المرتبطة بشهر رمضان في مجموعة من الأسواق العصرية خارج المدينة القديمة، حيث يفضل مجموعة من التجار، تعديل نظام عرض منتوجاتهم الأكثر استهلاكا خلال شهر رمضان وتغيير المظهر الخارجي للمحلات، في حين تزدهر أنشطة هامشية في البيوت على يد نساء ينخرطن في صناعة “شهيوات” رمضان بطرق تقليدية بما يساعدهن على مواجهة أعباء الحياة وتحسين ظروف عيشهن.