حنان رحاب تكتب عن مؤتمر الاتحاد الاشتراكي وتهافت “الشناقة الجدد”
في السنوات الأخيرة شاعت موضة في الكتابة السياسية، سواء في الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي، من طرف مجموعة تقدم نفسها “عالمة” بما يدور في دنيا السياسة والأحزاب والانتخابات. تتمثل في: نعي الاتحاد الاشتراكي وتشييعه، والقول بنهايته.
إن الذين يحاولون الظهور بمظهر الأوفياء لخط الجماهير، والنضال الديموقراطي، والوفاء للشهداء، يشيعون أن الحزب فقد قواعده الاجتماعية، وارتباطه بالجماهير، وأنه انحاز إلى صف المخزن، دون أن يحددوا مواصفات خط الجماهير اليوم، ولا مظاهر الانحياز عن الاختيار الديموقراطي في ممارسة الحزب، ولا أدوات قياس التراجع في الارتباط بالقوات الشعبية التي حمل الحزب اسمها، باعتبارها واحدا من محددات هويته الإيديولوجية.
والذين يقدمون أنفسهم باعتبارهم براغماتيين جددا، وباعتبارهم يؤسسون لحتمية جعل المصلحة محددا من محددات الحزب الحداثي، بدورهم يشيعون أن الحزب لن تعود له مكانة ضمن سيرورات تقدم الحياة السياسية، باعتباره وحسب زعمهم ينتمي لممارسة كلاسيكية.
مجموعة تعتبر علته في الانزياح عن أدبياته وخطابه وتصوراته التأسيسية، ومجموعة أخرى على النقيض من ذلك، تصور ما تسميه أزمته في عدم تجديد الخطاب والأدبيات والتصورات. لكنهما يجمعان على نعي الاتحاد الاشتراكي، مما يجعلنا نطرح سؤالا: هل ما يروجون له تحليل قائم على معطيات أم هي رغبات في إضعاف الحزب؟
وفي رأيي: هي الرغبة أولا، ثم بعد ذلك، البحث كيفما اتفق على ما يحول هذه الرغبة إلى ما يشبه الأطروحة.
هاتان الرؤيتان المختلفتان في المبررات، و المتفقتان في النتيجة/ الرغبة، ستبرزان خلال المرحلة الانتخابية الأخيرة.
المجموعة الأولى تنبأت بسقوط انتخابي، بسبب ما سمته تدنيا في شعبية الاتحاد الاشتراكي، وأنه لم يعد يختلف عما يسمى الأحزاب الإدارية، وأنه فقد تميزه عن باقي الأحزاب.
المجموعة الثانية، بدورها تنبأت بسقطة انتخابية كبيرة، ولكن بتعليل مغاير، وهو أن الدولة لم تعد راغبة في الاتحاد الاشتراكي، وأنها قضت منه وطرها، وستلفظه، وأن الدولة ستراهن على أحزاب المال لهزم الإسلام السياسي. فكأن هذه المجموعة ناطقة باسم الدولة، والحق أن الدولة التي يتحدثون عنها لا توجد إلا في مخيلاتهم.
وهكذا يتبين أن ليس ثمة حياد أو تحليل، بل هي الرغبة في رؤية الاتحاد الاشتراكي مهزوما.
ورغم التقدم الانتخابي للاتحاد الاشتراكي بنسبة 70%، فإن المجموعتين ، وعلى اختلاف منطلقاتهما تحدثتا على أن الاتحاد الاشتراكي هو من أكبر الخاسرين في الانتخابات، ولما لم تسعفهم الأرقام، روجوا أن موقع المعارضة الذي يوجد فيه الحزب هو دليل خسارته، مع العلم ان كلا المجموعتين كانتا تقولان منذ مدة إن الاتحاد خسر من مشاركاته في الحكومات الأخيرة بوزن لا يلائم تاريخه، وأن الأفضل للاتحاد العودة للمعارضة، من أجل بناء قوة انتخابية في المرحلة المقبلة، تجعله يعود لمواقع تدبير الشأن العام بشكل يجعله قادرا على فرض العديد من النقط المضمنة في برنامجه الانتخابي، وألا يظل رقما مكملا فقط.
ومرة ثانية نجد أنفسنا أمام رغبات ، وليس أمام تحليل، مادام القوم يقولون الشئ ونقيضه.
غير أن الجديد هو الانتقال من مرحلة الرغبات المختبئة حول ما يمكن ان نسميه تحليلا، إلى مرحلة الكشف السافر عن هذه الرغبات، بمناسبة اقتراب موعد المؤتمر الوطني للحزب.
بدأت العملية من المجموعتين للغرابة، من محاولة شيطنة الكاتب الأول للحزب، والمكتب السياسي، مع التركيز على بعض الأسماء المعينة التي يفترضون أنه يمكن أن تترشح للكتابة الأولى للحزب، وحملوا الكاتب الأول مسؤولية أزمة الاتحاد الاشتراكي، دون ان يحددوا طبيعة هذه الأزمة، ومع ذلك يحددون دور الكاتب الأول أزمة غير محددة المعالم من طرفهم.
إن الكاتب الأول في زعمهم مسؤول عن تراجع الاتحاد الاشتراكي جماهيريا، ولكنهم يشيحون عن الأرقام الانتخابية التي تدحض زعمهم.
وإن الكاتب الأول مسؤول في زعمهم كذلك في الصراعات البينية داحل الحزب، رغم أن ولايته لم تشهد أي انشقاق حزبي، بل عكس ذلك استطاع استعادة من أسسوا الحزب الاشتراكي والحزب العمالي، وبعد أن اندمجت فيه مجموعة الاشتراكي الديموقراطي، بمعنى أن ولاية الأستاذ لشكر عرفت أكبر عملية لتجميع الاتحاديين والاتحاديات الذين غادروا الحزب إثر انشقاقات ذات طابع تنظيمي وسياسي، وليس انسحابات فردية لسبب أو لآخر.
وبعد مرحلة شيطنة الكاتب الأول، ومجموعة من الأسماء التي يعتقدون أنها محسوبة عليه، انتقلوا إلى المرحلة الثانية، وهي الترويج لأسماء معينة ، مع التركيز على اسم واحد أكثر لقيادة الاتحاد الاشتراكي في المرحلة المقبلة.
وحتى في هذا الترويج، التقى الفريقان على اختيار الأسماء نفسها، رغم أن المنطلقات التي يقدمها كل فريق في إطار حملة الترويج مناقضة لمنطلقات الفريق الأول.
اتفقا على انتقاء أسماء قطعت علاقتها التنظيمية والميدانية بالاتحاد الاشتراكي منذ سنوات، ولم ينتبهوا أنهم كانوا يعيبون على الأحزاب الأخرى أن أمناء عامين لبعضها كان يتم إنزالهم بالباراشوت، واليوم يريدون للاتحاد الاشتراكي ما كانوا يعيبون على أحزاب أخرى.
ولم ينتبهوا أن هذه الأسماء المبتعدة عن الحزب، والتي لم تساهم في الحملة الانتخابية لدعم مرشحي الحزب، يقدمونها لقيادة الحزب الذي يشكل فريقاه في مجلسي النواب والمستشارين إحدى أهم عناصر قوته في المرحلة المقبلة، وهما فريقان نتيجة عمل ومشروع وتعاقدات بناها المكتب السياسي الحالي بقيادة الكاتب الأول.
مجموعة تقدم هذه الأسماء باعتبارها المنقذ من الضلال، وباعتبارها التي ستعيد الهوية الكفاحية للحزب، فيما هي لم تمر من القنوات التنظيمية القاعدية، فلا هي مرت من الشبيبة الاتحادية، ولا من منظماته الموازية في الطفولة والعمل الجمعوي والإطارات النقابية والمدنية، فكيف سيعيدون هوية هم أصلا لم يتشربوها من أوعيتها التنظيمية، ولا عاشوا لحظات تأسيسها وتنقيحها وتجديدها، والتي ساهمت فيها عقول اتحادية طبعت المشهدين الثقافي والفكري والسياسي.
ومجموعة ثانية تقدم الأسماء نفسها، ولكن من منطلق أنها القادرة على إخراج الاتحاد الاشتراكي من جموده الإيديولوجي حسبهم، ومن منطلق أنها بروفايلات غير مألوفة في تاريخ الاتحاد الاشتراكي، أي من منطلقات مغايرة لمنطلقات المجموعة الأولى، ولكن دون أن يقدموا ما هي هذه الخبرات التنظيمية والتدبيرية حتى بالمنطق البراغماتي التي تمتلكها الأسماء التي يرشحونها، وماهي الكتابات والأطروحة التي تقدمها كحلول لأزمة العمل الحزبي بالمغرب؟.
وفي النهاية يبقى السؤال: ما سر أن إعلاميين ومنابر من خارج الاتحاد الاشتراكي تروج لأسماء انقطعت وقطعت علاقتها بالحزب لقيادته؟
لا أملك جوابا، حتى لا أتهم بالبحث في النيات، غير أن الأهم، هو أن الاتحاديات والاتحاديين هم من عليهم أن يقرروا مصير حزبهم، وأن الأصلج والأجدر لقيادة سفينة الاتحاد الاشتراكي هم من لم يغادروها حين كانت الضربات تتوالى، والذين آمنوا بإمكانية النهوض حين كان كثيرون يدعون لجنازة الحزب، ومنهم من يقدمون اليوم ترشيحاتهم لقيادة الحزب، بعد أن ظلوا متفرجات ومتفرجين على من ظلوا في الحزب يعملون من أجل عودة قوية للاتحاد.