رأي/ كرونيك

محمد برنيشو: من الاستعمار العملي إلى الاستعمار الفكري

من الاستعمار العملي إلى الاستعمار الفكري

 تحولات قيمية وأخلاقية ولغوية في المغرب ما بعد الاستقلال.

بقلم: محمد برنيشو : طالب بالمدرسة العليا للأساتذة – الرباط

شكلت تصفية الاستعمار في دول العالم الثالث محطة نوعية في التاريخ ، ظن البعض أنها مرحلة فيصلية للانعتاق من عنق الزجاجة والتحرر من القيود التي رزحت تحت نيرها هاته الدول منذ استعمارها حتى فجر الاستقلال ، لكن لم تكن هذه المرحلة سوى قنطرة انتقال من دول استعمرت استعمارا عمليا إلى دول أضحت مستعمرة استعمارا فكريا محضا، استطاع المحتل بسط سيطرته الثقافية واللغوية والسياسية والاقتصادية … واكتسحت الثقافات الغربية ثقافتنا المحافظة وهدمت أواصر القربى وخلقت مسافات ضوئية بين جيلين ضاعت بينهما قيم وعادات وأخلاق تم طمسها في خصر العولمة .

لقد همت هذه السيطرة مستويات عدة لعل أبرزها التحول على المستوى اللغوي – وضدا على سياسة التعريب – أضحت اللغات الأجنبية في بلادنا رمزا للعلم والتحضر بل واتجهت إلى تحديد مستوى العيش لدى الأفراد داخل المجتمع المغربي، أما على المستوى القيمي والأخلاقي : تدهورت مجموعة من القيم والأخلاق في مجموعة من الشرائح الاجتماعية عبر تضارب وتصادم جلي المعالم واضح الأهداف في وضع قطيعة حقيقية بين الأمس واليوم، بين الماضي والحاضر وبين القديم والحديث ، بتر مراد منه تنشيء أجيال وفق ما تبتغيه الظرفية الراهنة .

لقد خرجنا من عنق الزجاجة ووقعنا في بئر لا قرار له، ظلمته حالكة ، فبقدر ما نسعى الخروج منه بقدر ما نتوغل فيه .

لقد تشربنا هذه الثقافة الدخيلة على ثقافتنا وأصبحت متجدرة في لا وعينا وخارجا عن إرادتنا، فمتى ؟ وإلى أين ؟ وما هو الحل ؟ وأين المفر ؟ وما السبيل ؟ …

بالفعل هذه الأسئلة لا تحتاج إلى ” سؤال ” ” جواب ” بقدر ماتحتاج إلى نقاش علمي هادئ يدخل فيه السياسي والاقتصادي والسوسيولوجي وأطراف أخرى، لما يحمله الموضوع من إشكالات سوسيو-ثقافية … تمخضت عنها تبعية لا إرادية فكرية-ثقافية من طرف أجيال لم تتحلل بعد من إسار التبعية العمياء ، وربما سيستمر الحال إلى الأسوأ … إن لم تنهض الهمم وتصحو العزائم (كما قال الشاعر : *فبقدر أهل العزم تأتي العزائم *…) وتستفيق ” الضمائر المستترة ” .

وهذا لن يتأتى إلا من خلال إرادة قوية وصلبة من المثقفين العضويين ، ورغبة جامحة ، تتخذ النقد مذهبها ، والقراءة سلاحها ، والرقي هدفها ، والوعي نقطة التحول التي تتوقف عليها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى