ماذا يفعل أمين اتحاد مغاربي مجمد؟
يجترح الخوارق؟ بالطبع لا.. لن يطالبه أحد بأن يقوم بذلك فيوحد المغاربيين ويلم شتاتهم ويقضي مرة واحدة وإلى الأبد على كل خلافاتهم وصراعاتهم ونزاعاتهم؟ لكن هل المنتظر منه بالمقابل أن يكتفي، إما بالجلوس في مكتبه في ضاحية أكدال بالرباط، ليقرأ ما تصله من تقارير وأخبار، أو يمضي قسطا من وقته في موطنه في تونس، أو يسافر هنا أو هناك لحضور المؤتمرات والندوات التي يدعى لها وفي أكثر من عاصمة عربية أو غربية؟
ربما الأهم من ذلك الآن هو من سيسأل الأمين العام للاتحاد المغاربي، أو من سيحاسبه، أو يطالبه، ولو بجرد سريع ومختصر لحصيلة ما قام به في السنوات الست الأخيرة، التي شغل فيها منصبا ظل يشتكي باستمرار، ولو بشكل موارب من أنه يجعل صاحبه مقيد اليدين، ومرتبطا فقط بما يقرره أو يريده القادة المغاربيون الخمسة؟ إن هؤلاء هم المسؤولون المباشرون عن اختياره، أو بالأصح عن تزكيته غير أنه ما من أحد منهم سيجد الآن أن الوقت والظرف مناسبان للقائه أو دعوته.
وعدم اتفاقهم أو حتى اتفاق وزراء خارجيتهم على الاجتماع معا تحت سقف واحد لمناقشة مستقبله، يجعل أمين عام الاتحاد المغاربي مطمئنا إلى أنه سيستمر بالبقاء ولفترة أخرى لا يعلمها إلا الله في منطقة الظل.
الاتحاد المغاربي صار ومنذ زمن طويل شبحا وهيكلا فارغا، وخاليا من أي روح، ولم يعد له أي دور فعلي أو مؤثر في الساحة المغاربية
والمفارقة هنا أن الرجل الذي كان من المفترض أن يعمل على إنقاذ سفينة الاتحاد المغاربي، وانتشالها من الوهن والضعف والضمور، وجد نفسه الآن يحارب لأجل إنقاذ ماء وجهه، وعدم ترك مكانه والمغادرة من الباب الصغير.
وعلى الرغم من أن هوس معظم الرؤساء العرب بالتمديد لأنفسهم في عهدهم الرئاسية، إما عن طريق استفتاءات شعبية، أو تعديلات دستورية، بات معلوما ومعروفا على نطاق واسع، إلا أنه سيكون من الصعب جدا في المقابل أن يعرف كثيرون أن هناك أمين عام منظمة إقليمية، حاول محاكاتهم، ولو بشكل ما، حين مدد لنفسه وبنفسه ومن دون الحاجة لإجراء أي تعديل على اللوائح أو القوانين الموجودة، وذلك ليبقى في منصبه إلى أجل مفتوح وغير معلوم، تحت مبرر عدم اتفاق الأطراف التي نصبته على الاجتماع، وتحديد خلف أو بديل له.
ومن المؤكد أن المشهد يبدو سيرياليا للغاية. ومع أن كثيرين يمكن أن يكونوا قد سمعوا من قبل بالطيب البكوش، إلا أنه لن يكون من السهل عليهم أن يستحضروا بسرعة أو ببداهة اسم شخصية أخرى في الاتحاد المغاربي غير أمينه العام.
وقد يقول البعض هنا إن ذلك الأمر يبدو عاديا جدا وطبيعيا للغاية، وإنه ينبغي أن لا يثير في كل الأحوال زوبعة، أو قدرا من التعجب أو الاستغراب فهو، وكما يعتقدون، ينطبق تقريبا على كل التجمعات والمنظمات الإقليمية والدولية.
فمن يعرف مثلا مسؤولا آخر في الجامعة العربية غير أحمد ابو الغيط، أو في مفوضية الاتحاد الافريقي عدا موسى فقيه؟ لكن حتى ولو افترضنا صحة ذلك، فإن قليلين جدا هم من سيوجهون أنظارهم في خضم الأحداث والتطورات المتسارعة، التي تحصل في المنطقة، إلى المسؤول الأول في أهم تجمع إقليمي يضم الدول المغاربية الخمس، فضلا عن أن يعرفوا أصلا بوجوده على رأس منظمة إقليمية باتوا متفقين على أنها صارت، ومنذ سنوات، في عداد المفقودين، إن لم يكن الراحلين.
إن الرجل الذي يراه الناس في بعض المناسبات متواريا نسبيا عن أنظار الصحافيين والمصورين، وواقفا في الغالب في الصفوف الخلفية، وراء القادة والزعماء ورؤساء الوفود في القمم العربية والافريقية، وحتى الافريقية الأوروبية، والافريقية الأمريكية مرات، أو حاضرا في بعض الندوات والمؤتمرات النخبوية التي يحضرها عادة جمهور ضيق ومحدود للغاية يشغل اليوم أغرب وظيفة دبلوماسية في الشمال الافريقي، وهي أمين عام اتحاد المغرب العربي.
ووجه الغرابة ليس فقط في أن ذلك الاتحاد صار ومنذ زمن طويل شبحا وهيكلا فارغا، وخاليا من أي روح، ولم يعد له أي دور فعلي أو مؤثر في الساحة المغاربية، بل لأن ولاية أمينه العام انتهت رسميا في غشت الماضي، من دون أن يسلم مهامه لأمين عام آخر، أو من دون أن يجتمع وزراء الخارجية المغاربيون ليمددوا له عهدته لفترة جديدة.
والسؤال هنا هو إن لم يكن الطيب البكوش قادرا خلال السنوات الست الماضية، التي شغل فيها المنصب بعد انتخابه من وزراء الخارجية المغاربيين في اجتماعهم في الدورة الرابعة والثلاثين لمجلسهم الوزاري، على حل قضية واحدة من قضايا الاتحاد التي لا تحصى ولا تعد، فهل أنه سيكون بمقدوره الآن بالذات، وبعد انتهاء عهدته وعدم امتلاكه مشروعية قانونية للبقاء في منصبه، على فض ولو خلاف أو نزاع واحد بين الدول المغاربية الخمس؟ إن الجواب بالتأكيد هو لا. لقد ظل صامتا طوال السنوات السابقة، ومتحفظا باستمرار، ورافضا ولو حتى ليعلق بحرف واحد، فضلا عن يكتب ولو بيانا يتيما يشرح فيه خطته، أو وجهة نظره ونظر الاتحاد حول أي حدث أو مشكل أو أزمة مغاربية موجودة، وكان الاستثناء الوحيد لذلك تقريبا هو ما فعله أواخر الشهر الماضي، حين ظهرت أحدث أزمات المنطقة المغاربية بين تونس والمغرب، في أعقاب استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم البوليساريو (الانفصالية) ابراهيم غالي، بمناسبة قمة تيكاد التي احتضنتها بلاده، حين حرر وقتها بيانا غير مسبوق قال فيه إنه «تفاجأ بأزمة جديدة – بعد الأزمة الجزائرية المغربية – في العلاقات الثنائية بين تونس والمغرب» داعيا في الأخير إلى ما وصفها بخلوة مغاربية خماسية، يكون الهدف منها صياغة خطة سلام في ليبيا، وعقد لقاءات ثنائية على هامش الخلوة لحل المشاكل الثنائية.
لكن ذلك لم يكن الموضوع الوحيد للخلوة المقترحة. فالهدف الآخر منها كان أيضا «تعيين أمين عام جديد يوصل العمل الذي أنجزناه مغاربيا وافريقيا ودوليا خلال السنوات الست الماضية – من غرة غشت2016 إلى غرة غشت2022»، مثلما قال قبل أن يضيف في آخر سطر من ذلك البيان، وبشكل مبهم ومفتوح على كل الاستنتاجات والتأويلات، «وفي الأثناء أواصل تحملي مسؤولياتي كاملة».
والسؤال هنا ما هي في هذا الوقت بالذات مسؤوليات أمين عام اتحاد مجمد، وفاقد لأبسط مقومات الحياة؟ هل تنحصر فقط في التسيير اليومي وصرف أجور عدد محدود من موظفي الأمانة العامة؟ أم أنها أكبر وأهم من ذلك بكثير؟
لا شك في أن الحواجز العالية التي صنعها الطيب البكوش، ووضعها بينه وبين الإعلام المغاربي، لن تسمح له بشرح ما أراد سابقا فعله، ولا ما يفكر الآن بتحقيقه، ولا بتوضيح سر إصراره على البقاء في منصبه بعد انقضاء عهدته مسيرا لأعمال وشؤون اتحاد لم يعد المغاربيون من بنغازي إلى نواذيبو يأملون شيئا منه.
ولعل المعجزة الوحيدة التي صار ينتظرها هؤلاء هو أن يقفل الأمين العام لاتحادهم أبواب مكتبه ويبعث بكتاب استقالته إلى القادة الخمسة ليقرروا ساعتها، إن كانوا يريدون بالفعل اتحادا مغاربيا أم لا؟ لكن لعل وقت المعجزات قد انتهى.
المصدر: القدس العربي