حول العالم

«جاكوبين»: إرث مالكوم إكس.. قصة نضال ضد العنصرية والرأسمالية معًا

في الحادي والعشرين من فبراير الجاري، وفي ذكرى اغتيال مالكوم إكس، نشر موقع مجلة «جاكوبين» اليسارية تخليدًا لذِكرى نِضاله من أجل حقوق السود، مقالًا للكاتب أحمد شوقي، مؤلف كتاب «التحرر الأسود والاشتراكية»، وفيما يلي الترجمة الكاملة لنص المقال:

خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن الفصل العنصري جزءًا من القانون في شمال الولايات المتحدة الأمريكية لكنه كان واقعًا. واجه السّود في شمال الولايات المتحدة عنصرية في جميع جوانب الحياة، إضافة إلى الفصل العنصري. وجد السود الذين غادروا الجنوب أنفسهم مجبرين على العيش في أحياء للأقليات «غيتوات» وتعليم أبنائهم في مدارس أدنى منزلة من مدارس البيض، كما اقتصرت الوظائف التي تحتاج إلى مهارة على البيض.

عانى السود كذلك من تسلّط البيض، وخصوصًا مضايقات الشرطة، فقد أفصح نحو رُبع السود عن تعرضهم لسوء معاملة من جانب الشرطة، بينما قال 40% من المواطنين السود رؤيتهم لآخرين يتعرضون لسوء معاملة. اعتقد السود الجنوبيون في وجود حرية في الشمال، لكن من عاشوا في الشمال هم من علموا مدى خطأ هذا الاعتقاد. مع تأثر السود الشماليين بالصراعات في الجنوب، دفعتهم ظروفهم الخاصة إلى تأسيس حركة مستقلة ومختلفة عن حركة زعامة المسيحية الجنوبية التي أسسها مارتن لوثر كينج.
في السنوات الأولى للنضال من أجل الحقوق المدنية، كان التنظيم الأكثر أهمية لحركة النضال في الشمال هو تنظيم «أمة الإسلام». في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وصل عدد أعضاء التنظيم إلى نحو 100 ألف، من بينهم مالكوم إكس الذي كان عضوًا بارزًا.

على الجانب الرسمي، كان فِكر أمة الإسلام محافظًا بشدة، فقد جمع بين أفكار السنة وأفكار مِن صُنع التنظيم، ودعوا إلى العمل الجاد والزهد والطاعة والتواضع، كما رأت المنظمة أن الاستقلال الاقتصادي عن مجتمع البيض أمر ضروري. أنشأت منظمة أمة الإسلام عشرات الأعمال التجارية، وامتلكت الأراضي الزراعية، وبنت المساجد في غالبية المُدن الكُبرى في الشمال الأمريكي. جدير بالذكر أن المنظمة لم تُدِن الرأسمالية، إنما أدانت البيض، فقط البيض. في الواقع، تمنّى العديد من المسلمين السود محاكاة نجاح الرأسماليين البيض.

دعا زعيم منظمة أمة الإسلام إيليجا محمد إلى إقامة دولة سوداء مستقلة، سواء كانت على أرض الولايات المتحدة أو في أي مكان في العالم. لكن ما لم يكن الأمر من أجل الضغط لتحقيق مطالبها أو الدفاع عن مصالحها، كانت المنظمة رافضة للمشاركة السياسية. لقد كانت القدرة على النمو بشكل هائل لمثل هذه المنظمة الدينية المنغلقة على نفسها دليلًا على مدى سوء الأوضاع بالنسبة للسود في المناطق الحضرية الشمالية. كانت أمة الإسلام رمزًا لاحترام الذات والاعتماد على النفس والفخر بالنسبة للكثير من الشباب المنضمين.
كانت فصاحة مالكوم إكس وجرأته عاملين مهمين لجذب مسلحين للانضمام لمنظمة أمة الإسلام، حيث سلّط خطابه الضوء على نفاق النخبة البيضاء. ردًا على اتهام أمة الإسلام بالعنصرية، قال مالكوم إكس «إذا قمنا بالرد على عنصرية البيض بعنف، فهذه ليست عنصرية سوداء بالنسبة لي. إذا كنت قادمًا لتضع حبلًا حول رقبتي، فقمت أنا بشنقك، فهذه ليست عنصرية بالنسبة لي. أفعالكم هي العنصرية، لكن رد فعلي ليس له علاقة بالعنصرية».

رفض مالكوم إكس الرأي القائل إن الاندماج في المجتمع الأمريكي ممكن أو حتى مرغوب فيه، ورأى أن الحكومة الفيدرالية والحزب الديمقراطي جزء من المشكلة، وليسا حلفاء للتنظيم. إضافة إلى ذلك، وجه مالكوم إكس انتقادات شديدة لليبراليين الذين تحدثوا عن العنصرية في الجنوب، ولم يتحدثوا عن الأوضاع في الشمال، قائلًا «سأنزع تلك الهالة الموضوعة حول الليبراليين، والتي بذلوا جهدًا لصنعها». انتقد مالكوم إكس قادة حركة الحقوق المدنية بشدّة، إذ رأى أنهم يحاولون احتواء النضال بدلًا من قيادته.

هاجم مالكوم إكس كذلك فكرة اللاعنف والتي قامت عليها حركة الفصل العنصري في الجنوب، ودعا السود إلى الدفاع عن النفس قائلًا «كن مسالمًا، كن مهذبًا، أطع القانون واحترم الجميع، لكن إذا ما حاول أحدهم التعدّي عليك، فأرسله إلى المقبرة. هذا هو الدين الصحيح. في الواقع، هذا هو الدين القديم. حافظ على حياتك، فهي أفضل ما لديك. وإن كان عليك خسارتها، تأكد من أن من يريد قتلك سيخسر حياته كذلك».

في الواقع، لم يكن مالكوم إكس سوى امتداد وتوسّع لتعاليم إيليجا محمد، فدائمًا ما كان يبدأ خطاباته قائلًا «يعلمنا إيليجا محمد…»، لكن مالكوم إكس حوّل تلك الأفكار إلى اتهامات للنظام، وفكّ نفسه من قيود أمة الإسلام. بينما تجنّب إيليجا محمد السياسة، كان مالكوم إكس سياسيًا بصورة أكبر. اشتكى أحد المسلمين ذلك قائلًا «كان مالكوم هو من أدخل مفهوم قومية السود على الحركة الإسلامية، والتي كانت حركة دينية في جوهرها».

أدرك إيليجا محمد أن التسييس المتنامي للحركة الإسلامية كان له تأثير على أمة الإسلام، بما في ذلك متحدثها الرسمي مالكوم إكس، لذلك اتخذ بعض الإجراءات لإعادة تأكيد سيطرته على التنظيم.
تبيّن إفلاس سياسات تنظيم أمة الإسلام من خلال هجوم للشرطة في لوس أنجلوس في أبريل (نيسان) عام 1962، عندما قُتِل مسلم أسود وجُرِح العشرات من قِبل شرطة قِسم لوس أنجلوس. توجّه مالكوم إكس إلى لوس أنجلوس على الفور لتوجيه ردّ الحركة على هذا الهجوم. دعت أمة الإسلام إلى الدفاع عن النفس، لأن القتل الذي قامت به الشرطة يتطلب عملًا انتقاميًا. لكن إيليجا محمد منع أتباعه من تنظيم حملة مستدامة للدفاع عن النفس.

كان التطرف اللفظي، خاصةً في إدانة البيض، مقبولًا من قبل عندما كان أعضاء أمة الإسلام يرسّخون سمعتهم بوصفهم معارضين للنظام، لكن انفجار الغضب بين السود تطلب ما هو أكثر من الكلام، تطلّب فعلًا، وهو ما لم يؤيده إيليجا محمد.

الخروج من «أمة الإسلام»
شهد ديسمبر (كانون الأول) من عام 1963 انفصال مالكوم إكس أخيرًا عن تنظيم أمة الإسلام.

في لقاء بمدينة نيويورك، ردًا على سؤال من الجمهور، عزا مالكوم إكس اغتيال جون كينيدي إلى الكراهية والعنف اللذين صنعهما مجتمع البيض نفسه. على الرغم من أن تصريحات مالكوم إكس كانت متسقة مع العداء الذي عبّر عنه رجال الدين الإسلامي من السود تجاه الإدارة الأمريكية، إلّا أن إيليجا محمد أبلغ مالكوم إكس بأنه سيتم إيقافه 90 يومًا حتى لا يتم ربط المسلمين في أي مكان بهذا الخطأ. لكن سرعان ما تبيّن أن هذا الإيقاف في حقيقته هو فصل تام.
مناهضة ناشئة للإمبريالية
بعد فترة قصيرة، سافر مالكوم في أولى رحلتيه إلى أفريقيا، واللتان كان لهما تأثير مهم على أفكاره. التقى مالكوم بالعديد من رؤساء الدول، مثل كوامي نكروما الرئيس الأسبق لغانا، وجمال عبد الناصر الرئيس الأسبق لمصر، وتأثر مالكوم بأفكار «العالم الثالث». بصورة عامة، كانت هذه الأفكار تشير إلى أن العالم تسيطر عليه قوتان عظميان – الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي – وأن الدول النامية في العالم تمثّل بديلًا مستقلًا.

عندما عاد مالكوم إكس إلى نيويورك، أعلن تأسيس منظمة الوحدة الأفرو-أمريكية «OAAU» على غرار منظمة الوحدة الأفريقية التي جمعت بين رؤساء الدول الأفريقية المختلفة. كانت منظمة الوحدة الأفرو-أمريكية منظمة قومية للسود تسعى لبناء منظمات مجتمعية ومدارس، ومشاريع تجارية للسود، وحملات تسجيل انتخابية لضمان سيطرة مجتمعية على السياسيين السود.

بعد زيارته لأفريقيا، بدأ مالكوم الجدال في أن النضال الأسود في الولايات المتحدة كان جزءًا من نضال دولي، وهو مرتبط بالنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية. إضافة إلى ذلك، بدأ مالكوم في التحدّث لصالح الاشتراكية، قائلًا «إن جميع الدول التي خرجت اليوم من قيود الاستعمار تتحول الآن إلى الاشتراكيّة»، في إشارة منه إلى الدول الأفريقية.

تغيّر تعريف مالكوم للنضال من أجل تحرير السود، فلم يعد يشير إليه بوصفه صراعًا عرقيًا. قال مالكوم «نحن نعيش في عصر ثورة، وثورة الزنوج الأمريكيين هي جزء من التمرد ضد القمع والاستعمار المتواجديْن في هذا العصر». وأضاف «ليس صحيحًا أن نصنّف ثورة الزنوج بوصفها صراعًا عرقيًا من جانب السود ضد البيض، أو أن نصنّفها كمشكلة أمريكية بحتة. لكننا اليوم نشهد انتفاضة عالمية من المظلومين ضد الظالمين، ومن المُستَغلين ضد من يستغلونهم».
بتصرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى