ربع قرن على اتفاقية أوسلو…. مع فيديو يعرض لأراء معارضة للاتفاف
حين جلس عرفات مع قادة إسرائيل على نفس الطاولة
“سلام غير مكتمل أفضل من حرب طاحنة؟” مرت عام 2018 الذكرى الـ 25 على توقيع الإسرائيليين والفلسطينيين اتفاقية أوسلو للسلام. ومازال الكثير من النرويجيين يحيون هذه الذكرى لكونها تمثل وساطة ناجحة لحل أزمة مزمنة، ولكن هل كان دور النرويج حياديا؟ وما هو دورها فعلا؟ ديانا هودالي والتفاصيل.
يصف يان إيغلاند الأجواء التي سادت بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالجيدة حين التقى الجانبان عام 1993 في إطار محادثات السلام في أوسلو. إيغلاند عايش الكثير من محادثات الأزمات وسافر إلى بلدان بها أزمات، وهو يتذكر جيدا المهمة التي أسندت له وهو في الـ 36 من عمره كنائب وزير الخارجية، إذ وجب عليه رعاية محادثات بين ممثلي الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية خلف الكواليس كوسيط وداعم.
” تحدث كِلا الطرفين مباشرة بعضهما مع بعض. وكان في كلا المعسكرين أشخاص جيدون”، يتذكر إيغلاند بكل تواضع. كبير المفاوضين من جانب إسرائيل كان رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين والدبلوماسي أوري سافير. ومن الجانب الفلسطيني شارك الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي كانت إسرائيل تعتبره طويلا إرهابيا وكذلك أحمد قريع.
وعامل إيغلاند والأعضاء الآخرون في فريق الوساطة النرويجي الجانبين بنفس الاحترام، كما يقول : “أحضرناهم على متن نفس السيارات من المطار، وجلسوا على نفس الطاولة وتلقوا نفس الاهتمام”. وكان إيغلاند يتحمل أيضا المسؤولية المالية عن المحادثات. “تعرف بعضهم على بعض ولاحظنا بأنهم بدؤوا ببطء ينسجمون بعضهم مع بعض”، كما يقول هذا الدبلوماسي الذي يرأس اليوم مجلس اللاجئين النرويجي ويعمل كمنسق خاص للأمم المتحدة في سوريا، مضيفاً: “وخطوة بعد خطوة رأينا كيف أن الجهود من أجل التقريب بين الجانبين المتناحرين تأتي بالثمار”.
الخيال العلمي في واشنطن
وبعد تسعة أشهر والعديد من المحادثات، جاءت فجأة الباكورة: ممثلو القيادة الإسرائيلية والفلسطينية وافقوا على بيان يتضمن أسساً مشتركة يفتح الطريق أمام إقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية والاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية لتتبلور اتفاقية أوسلو.
وفجأة ظهر السلام المنشود منذ سنوات بين الإسرائيليين والفلسطينيين قريب المنال عندما تصافح في الـ 13 سبتمبر 1993 رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية فوق عشب البيت الأبيض أمام أعين الرأي العام العالمي. وحتى وزير الخارجية النرويجي السابق يوهان يورغن هولست كان حاضرا للمشاركة في هذا الحدث التاريخي: عدوان لدودان يظهران كشريكَيْن -بدعم من النرويج- وعبَّر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في خطابه عن شكره للبلد الإسكندنافي، فالنرويج وليست الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط منذ سنوات تمكنت من تفعيل هذا النوع من الاتفاقية.
واليوم يذكر المشهد قبل 25 عاما فوق العشب تحت شمس واشنطن بفيلم الخيال العلمي الذي لم تتحقق قَطّ ابتكاراته: فكِلا الطرفين بعيدان اليوم بعضهما عن بعض بشكل لم يحصل له نظير في العقود الماضية.
النرويجيون ينظرون بإيجابية إلى “أوسلو”
ورغم أن السلام لم يحل على الأرض في الشرق الأوسط منذ اتفاقية أوسلو، فإن عملية السلام في إطار اتفاقية أوسلو تُعتبر بالنسبة إلى الكثير من الإسكندنافيين إنجازا. “هذا الشعور لم يعد قويا مثل السابق، لكن الكثير من النرويجيين يرون في عملية أوسلو نجاحا”، تقول هيلده فاغه المؤرخة بجامعة أوسلو التي أُسنِدت إليها مهمة التحقيق في دور النرويج في مفاوضات السلام الخاصة بالشرق الأوسط: فما الذي يمكن النرويج الصغيرة من التدخل على الإطلاق في هذا النزاع الكبير؟ هل كانت النرويج محايدة؟ هذه القضايا تطرقت لها هيلده في تحقيقها.
فالعديد من المحاولات لربط اتصالات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين فشلت في السنوات الماضية. ومرة واحدة ظهر الوفد النرويجي الناجح بقيادة رود لارسن، خبير في علم الاجتماع ومدير سابق لمعهد البحوث الاجتماعية تربطه اتصالات مع حزب العمل النرويجي تحول إلى الشخصية الوسيطة المحورية وكان يتنقل بين الإسرائيليين والفلسطينيين قبل انطلاق المفاوضات الحقيقية. إلى جانب زوجته مونا يول الدبلوماسية والأخصائية في نزاع الشرق الأوسط وعملت مع يان إيغلاند في وزارة الخارجية وبالطبع مع يورغن هولست الذي أصبح عام 1993 وزيرا للخارجية. “كنا مجموعة صغيرة على علم بتلك المحادثات، وكانت لنا اتصالات وثيقة مع الطرفين”، يتذكر إيغلاند.
تقول المؤرخة هيلده فاغه إن ياسر عرفات طلب من النرويج فتح قناة حوار مع إسرائيل. فعرفات كان يحتاج إلى صديق لإسرائيل للتفاوض حول دولة فلسطين.
النرويج وسط نزاع الشرق الأوسط
ولم يتعثر النرويجيون صدفة في عملية السلام بالشرق الأوسط، بل إن وساطتهم كانت نتيجة عناية مكثفة بالتواصل. “كانت لدينا منذ مدة على عديد من المستويات علاقات جيدة مع إسرائيل ولكن أيضا اتصالات مباشرة مع منظمة التحرير الفلسطينية”، يقول إيغلاند. وكانت هناك علاقة وثيقة بين حزبي العمل الإسرائيلي والنرويجي: “وكنا نهدف بعد انتهاء الحرب الباردة إلى دعم إجراءات بناء الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وبالنسبة إلى النرويج كان هذا على ما يبدو نتيجة منطقية للالتزام في نزاع الشرق الأوسط.
عرفات كان يريد الاستفادة من علاقة النرويج بإسرائيل
ورغم تطلعات النرويج، فإن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي توجهت في البداية إلى النرويج، وبسبب العلاقة الوثيقة مع إسرائيل كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يرى منذ عام 1979 في النرويج وسيطا مواتيا وجذابا. وحينها كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد طلبت من النرويج تزويد إسرائيل بالنفط، لأن إيران في خضم ثورتها أوقفت صادراتها من النفط، تقول هيلده فاغه. لكن حكومة أوسلو لم تلبِّ هذا الطلب قبل إشعار منظمة التحرير الفلسطينية.
والسبب هو أن النرويج أرسلت عام 1978 نحو 1000 جندي ضمن مهمة المراقبة يونفيل إلى لبنان حيث كانت تدور حرب أهلية، ومنظمة التحرير الفلسطينية كان لها مقاتلوها هناك. وقلقاً من حصول هجمات على جنودها أبلغت أوسلو زعيم منظمة التحرير الفلسطينية. “عرفات لم تكن له اعتراضات على صادرات النفط إلى إسرائيل”، تقول فاغه، بل العكس إنه استفاد من الموقف وطلب من النرويج فتح قناة حوار مع إسرائيل. فعرفات كان يحتاج إلى صديق لإسرائيل للتفاوض حول دولة فلسطين.
القوي هو الذي يحدد مسار الأمور: تقول المؤرخة هيلده فاغه إنها بحثت في 2001 فيما يخص قضية وجود “مجال مناورة” في علاقة غير متكافئة. وتوصلت إلى نتيجة أن ذلك كان قليلا. فالقوي هو الذي يحدد مسار الأمور. “والنرويج عرفت هذا الشيء وتنازلت في هذه النقطة وعرفت أن المفاوضات (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) ستسير بالضرورة لصالح إسرائيل وإلا لما تحققت اتفاقية”. وبالتالي لم تكن النرويج فقط “مسهلا” بل “وسيطا متحيزا”. والاتفاقية وطدت هذه العلاقة غير المتوازنة.
والنرويج كان لها تقليد قديم في المساعدة الإنسانية وشعرت بالتالي أنها مؤهلة للالتزام من أجل إنهاء النزاعات وإحلال السلام. وبما أن النرويج ليس لها ماضٍ استعماري -كما أنها مستقلة اقتصاديا- عمل هذا على تقوية مصداقيتها.
منظمة تحرير ضعيفة وإسرائيل قوية
لكن في عملية السلام بالشرق الأوسط لم يحصل طوال عقد أي شيء في الحقيقة. “إسرائيل كانت ترفض التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية”، يقول إيغلاند: ” فقط في عام 1992 عندما تولى حزب العمل الإسرائيلي الحكومة انفتحت إسرائيل على دبلوماسيتنا من أجل السلام”. إسرائيل اقتنعت أنه لا معنى لأن يكون لها جار أمامها تسيطر عليه مشاعر الكراهية.
هيلده فاغه تمضي خطوة إضافية في تقييمها، قائلةً: الانتفاضة الأولى كانت لتوها قد انتهت وعرفات راهنَ في حرب العراق /الكويت في 1990 على الحصان الخاطئ صدام حسين وفقد بالتالي مساندة الكويت واصطدم بمتاعب مالية. “عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية كانا ضعيفين في تلك اللحظة”، تقول هيلده فاغه. وإسرائيل كانت تعرف ذلك وأن عرفات سيكون مستعدا لتقديم المزيد من التنازلات. إسرائيل كانت الطرف الأقوى. ومنظمة التحرير الفلسطينية كانت تحت الضغط. وكانت تريد الظهور مجددا على الساحة والكفاح من أجل دولة فلسطين.
علاقة غير متساوية في المفاوضات
وتقول المؤرخة فاغه بأنها بحثت في 2001 فيما يخص قضية وجود “مجال مناورة” في علاقة غير متكافئة. وتوصلت إلى نتيجة أن ذلك كان قليلا. فالقوي هو الذي يحدد مسار الأمور. “والنرويج عرفت هذا الشيء وتنازلت في هذه النقطة وعرفت أن المفاوضات ستسير بالضرورة لصالح إسرائيل وإلا لما تحققت اتفاقية”. وبالتالي لم تكن النرويج فقط “مسهِّلا”، كما يقول إيغلاند بل “وسيطا متحيزا”. والاتفاقية وطدت هذه العلاقة غير المتوازنة.
أوسلو – مكان السلام
ورغم أن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يعيشون حتى يومنا هذا في سلام، فإن النرويجيين جنوا بدورهم على المستوى الدولي الكثير من الشهرة. وليس من العبث أن تُمنح جائزة نوبل للسلام في أوسلو: وبعد الاختراق الدبلوماسي في الشرق الأوسط في عام 1993 كانت أوسلو تُعتبر عاصمة السلام ـ على الأقل لفترة معينة.
المصدر: الموقع الإعلامي قنظرة (بتصرف)