الرئسيةذاكرةشواهد على التاريخ

ذاكرة: حين زور ضد عبدالرحيم بوعبيد في انتخابات 1977 بأكادير..وزاوية النظر بين موقف الحزبي السياسي وتحليل المؤرخ بوعزيز

يؤكد المصطفى بوعزيز: كان المطلوب من بوعبيد أن يترشح في مسقط رأسه لكي يستفيد من التضامنات العائلية والقبلية ومن تساهل وتعاون الإدارة. بقبوله هذ الطلب، كان عبدالرحيم بوعبيد سيقبل المشاركة في لعبة مشوهة، ستؤكد سمو المشروعية التقليدية (للملك والعشائر) في المقابل فانتخابه من طرف المتعاطفين من حزبه لن تكون حدثا عاديا، بل مؤشرا على بروز مشروعية جديدة منبثقة من المواطنين والشعب صاحب السيادة، مشروعية ناشئة في أكادير ستفتح المنافسة مع مشروعية الملك

يقول: حوس حسن، في مدونة المحرر لمصطفى المتوكل الساحلي: “فوجيء السي عبدالرحيم وهو معنا بأكادير بعد أن وضع ترشيحه رسميا بعمالة أكادير،  التي كان على رأسها العامل(العربي الكيسي) فوجيء باستدعاء من العامل للحضور إلى مقر العمالة،  لمقابلة إدريس البصري بطلب من هذا الاخير دون اخباره بموضوع الاجتماع…. فوجد في استقباله في درج مقر العمالة العامل العربي الكيسي الذي بادره سي عبدالرحيم وهو يسلم عليه بقوله له (اهلا بسي التهامي لگلاوي) في إشارة منه له على ما اقترفه في حق المناضلين الاتحاديين والعاطفين من بطش وتنكيل بعد الانتخابات الجماعية… وبعد وصوله إلى حيث يوجد إدريس البصري بمكتب العامل…… بادره هذا الاخير بأن توسل له بتغيير ترشحه بأكادير باسطا خريطة لمغرب أمامه طالبا منه أن يختار دائرة أخرى باستثناء هذا الإقليم مع ضمانات بنحاحه.. هنا انتصب سي عبدالرحيم واقفا مخاطبا البصري :إذا كان هذا هو موضوع الاجتماع فاجمع اوراقك وخريطتك فالسياسة بالنسبة لنا أخلاق.. ثم خرج بدون استئذان”.

الاتحاد

إن هذه الفقرة تلخص حدثا وقع في التاريخ السياسي المعاصر للمغرب، إبان حكم الحسن الثاني، والذي قرر فيها الاتحاد الاشتراكي، مباشرة بعد مؤتمره الاستثنائي، أن يخوض غمار الانتخابات الجماعية 1976، والتشريعية 1977، بل وقرر زعيمه التاريخي الراحل عبدالرحيم بوعبيد، أن يدخل غمار هذه الانتخابات في مدينة أكادير، وهو الاختيار الذي رفضه الحكم، واعتبره يأخذ ابعادا سياسية وزمزية، وأراد أن ينهي معه في المهد.

 

لماذا ترشح عبدالرحيم بوعبيد في أكادير وليس في مسقط رأسه سلا؟

في محاولة الإجابة عن هذا السؤال، يقدم حوس حسن، في المقال ذاته، المعنون ب “صور وتاريخ…الزعيم الراحل عبدالرحيم بوعبيد مرشح بأكادير لتحدي الاستبداد والتحكم”، فيقول:، أنه وبعد انطلاق التنظيم بأكادير مباشرة بعد المؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1975 تشكلت لجنة تحضيرية عهد إليها الإشراف على هيكلة الحزب والعمل على إشعاعه وإحياء ألموات من التنظيمات التي طالها القمع الشرس طيلة سنوات الرصاص، والتي نالت مناطق الجنوب الحظ الأوفر من هذا القمع.

المؤتمر الاستثنائي
جانب من الحضور في المؤتر الاستثنائي الاتحاد الاشتراكي 1975

وأضاف المتحدث ذاته، كانت هذه للجنة تعمل تحت إشراف المناضل الطيب مبارك الساسي وكان نفوذها التنظيمي يمتد إلى كل مناطق سوس وإلى مناطق الجنوب حتى طرفاية (قبل إسترجاع الصحراء).. كانت أول التحديات التي سيواجهها الحزب هي التحضير للانتخابات الجماعية بعد ظهير ،1976 والتي قرر الحزب خوضها بعد نقاش عسير من طرف كل قواعد الحزب.

وقال حوس لقد تمخضت هذه الانتخابات الجماعية عن اكتساح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لكل رئاسات جل المدن بالإقاليم الجنوبية التي تركت المسؤولين بدون تزوير (أكادير.. انزكان.. اولادتايمة.. اولاد برحزيل….. تزنيت… ايفني… جماعة اگلو…. تمسية….) وتمثيلية مشرفة في كثير من الجماعات التي تمكن الاتحاد الاشتراكي من الترشح بها.

اعتبر الفاعل الحزبي حوس، أن هذا الاكتساح وفي هذا الزمن القياسي من بدء انطلاقة للتنظيم لم يستسغه المسؤولون الذين أصيبوا بالذعر والسعار، فواجهوا هذا الاكتساح المفاجئ بحملة شرسة من القمع الممنهج على كثير من المناضلين والمتعاطفين والمواطنين مما دفع الحزب بأكادير إلى إصدار بيانات تلو البيانات للتنديد بهذه الهجمة الغير مبررة والتي جعلت مناطق سوس وكأنها تعيش حالة استثناء مؤكدا أن كل ذلك انعكس على موقف القيادة الحزبية بأكادير من الانتخابات التشريعية موقف تبنيناه جميعا بضرورة مقاطعة الانتخابات التشريعية التي كانت على الأبواب وحشد الأقاليم الاخرى لتحدو نفس الموقف.. كاد موقفنا أن ينتصر في اللجنة المركزية التي التأمت لمناقشة المشاركة من عدمها لولا مناشدة الكاتب الأول المرحوم عبدالرحيم لنا كممثلين لإقاليم الجنوب بالتراجع عن موقفنا باستعداده للترشح بأكادير تضامناً مع المناضلين بالجنوب… فكان ترشيحه إذن إعلان بالتضامن مع المناضلين ومع المتعاطفين والمواطنين..

أي أن الفاعل الحزبي السياسي، حوس حسن، اعتبر ترشح عبدالرحيم بوعبيد في انتخابات 1977، هي من جهة للتضامن مع المناضلين في هذه المنطقة، الذي عانوا من القمع وكان شديدا فيها، ومن جهة ثانية هو نوع من التحدي والتآزر ليعطي بوعبيد نفسا كفاحيا للمشاركة في انتخابات لم تكن تلقى في التجاه العام قبولا في قواعد حزب بوعبيد.

 

في السياق ذاته، وفي محاولة منه، لتقديم تحليل لهذه الواقعة، يقول المؤرخ المصطفى بوعزيز، “في الواقع سيظهر أن ملف الصحراء المغربية ملف معقد. مما جعل التقدم في بناء المسلسل الديمقراطي إشكالية حقة”، سيؤكد بوعزيز، أنه “وبعد سلسلة من التأجيلات المقبولة إلى هذا الحد أو ذاك، نظم الحسن الثاني الانتخابات البلدية في يونيو 1976، والتشريعية في يونيو 1977”.

الوطنيون

حاء ذلك، في الجزء الثاني من كتاب المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز “الوطنيون المغاربة في القرن العشرين الجزء الثاني…الراديكالية والاندماج السلبي في الدولة”، حيث أضاف في السياق ذاته، قائلا: “هكذا وبعد سلسلة من التأجيلات المقبولة نسبيا إلى ذا الحد أو ذاك من الأطراف السياسية، نظم الحسن الثاني الانتخابات البلدية في 1976 والتشريعية في يونيو 1977”.

يعلق بوعزيز، عن ذلك بالقول، ستعتبر الحركة الوطنية الديمقراطية وحزب الاتحاد الاشتراكي على وجه الخصوص أن شروط استشارة شعبية حرة لم تحترم من طرف أجهزة الدولة رغم وعود الحسن الثاني، والأدهى، أن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، عبدالرحيم بوعبيد أهم شخصية حزبية آنذاك، سيتم إقصاؤه من عضوية البرلمان عبر تزوير مفضوح لنتائج الاقتراع في أكادير، رغم الشعبية الكبيرة لحزبه في الدائرة.

بوعبيد

يعلق بوعزيز، نعتقد أن الحركية الملكية، حتى لا نلخصها في شخص الملك لم تكن تريد إقصاء عبدالرحيم بوعبيد من البرلمان. لكنها ترفض أن يمثل أكادير. يضيف، من المعروف أن عددا من “المبعوثين” غير الرسميين اقترحوا عليه الترشح في مدينة سلا مسقط رأسه بدل أكادير، فكان رده الرفض المطلق.

يحلل المؤرخ بوعزيز الحدث بالقول: ” قد يبدو هذا النزاع غير ذي قيمة لأن المهم هو دخول البرلمان، لكن المؤرخ يستشف أن الموضوع ذو أهمية بالغة. لأن الخلاف حول أكادير وسلا خلاف سياسي ورمزي أساسا في الحقل السياسي المغربي:

المواجهة بين “المشروعية الدينية والتاريخية للملكية ومشروعية الشعب صاحب السيادة”، يتضح يضيف بوعزيز، إذا، أحد الرهانات الفارقة في التوافق الوطني تجسد في الخلاف حول أكادير أو سلا.

المؤرخ
المؤرخ المصطفى بوعزيز

يسترسل بوعزيز في التحليل ويؤكد، كان المطلوب من بوعبيد أن يترشح في مسقط رأسه لكي يستفيد من التضامنات العائلية والقبلية ومن تساهل وتعاون الإدارة. بقبوله هذ الطلب، كان عبدالرحيم بوعبيد سيقبل المشاركة في لعبة مشوهة، ستؤكد سمو المشروعية التقليدية (للملك والعشائر) في المقابل فانتخابه من طرف المتعاطفين من حزبه لن تكون حدثا عاديا، بل مؤشرا على بروز مشروعية جديدة منبثقة من المواطنين والشعب صاحب السيادة، مشروعية ناشئة في أكادير ستفتح المنافسة مع مشروعية الملك، سيوقف الحسن الثاني المحاولة في المهد ولو أن الشخصية من حجم عبدالرحيم بوعبيد. هكذا كان سقوط بوعبيد في انتخابات 1977 أول شرخ في التوافق الوطني وفي عنصر الثقة بين الأطراف.

يقول المصطفى بوعزيز، ستطف الحركية الملكية حول الملك وتطور مفهوم “المليكة الحسنية”. في المقابل سترتبك مكونات الحركية الوطنية الديمقراطية، حيث سينحو الاتحاد الاشتراكي، قاطرة الاتجاهات الراديكالية، منحى المواجهة فيما يخص الفعل السياسي داخل المؤسسات وأيضا فيما يخص الضغط الشعبي في الحقل الاجتماعي. الطريق يقول المؤرخ بوعزيز، كانت التعبئة الجماهيرية، والأداة، مركزية نقابية متحررة من الإكراهات البيروقراطية للاتحاد المغربي للشغل، مقصود بها هنا الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، التي سيعلن عن تأسيسها رسميا في 1978.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى