حول العالم

القوميات الغاضبة: هل تهدد الاضطرابات الداخلية النظام الفيدرالي فى إثيوبيا؟

تحليلي إخباري
تُعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء الإثيوبي “هايلي مريم ديسالين” مؤشرًا على التحولات الجوهرية التي يشهدها النظام السياسي في أديس أبابا، إذ جاءت الاستقالة عقب احتجاجات حاشدة وتوترات سياسية ممتدة بين التكوينات الأساسية بالمجتمع الإثيوبي، نتيجة اختلال توزيع السلطة وعوائد التنمية، وهيمنة جماعة تيجراي على المناصب العليا في الدولة، وهو ما يثير تساؤلات حول مستقبل الفيدرالية في إثيوبيا، واحتمالات احتواء الاضطرابات السياسية المتزايدة.

تصاعد الاحتجاجات:

تشهد إثيوبيا حالة من الاضطراب السياسي منذ عام 2015، حيث قامت عدة تظاهرات في مدينة “جينسي” القريبة من العاصمة أديس إثيوبيا، واتسع نطاقها ليمتد إلى مدن أخرى بعد ذلك، وحاولت وسائل الإعلام وقتها أن تتجاهل هذه التظاهرات، بيد أنه تم اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي كمنبر بديل لنشر أخبار الاحتجاجات.

وقد اندلعت هذه الاحتجاجات بسبب هيمنة إثنية “التيجراي” على كافة المناصب السياسية في البلاد، يُضاف إلى هذا قيام الحكومة بإصدار خطتها لتوسعة العاصمة أديس أبابا، والتي جاءت تحت عنوان “أديس أبابا وخطة التنمية المتكاملة”، وتهدف إلى توسيع الحدود الإقليمية للعاصمة لإنشاء مناطق استثمارية وصناعية وخدمية، وفي إطار هذه الخطة تمت مصادرة العديد من الأراضي والأملاك من أصحابها دون تقديم تعويض مناسب، أو إعادة توطينهم. وهو الأمر الذي سيُحدث تغييرًا في التركيبة الديموجرافية لهذه المنطقة.

كما تُعد هذه الخطة مخالفة للدستور الإثيوبي الذي ينص على حق تقرير المصير، لا سيما وأن خطة التوسيع ستُفقد إقليم الأورومو 36 مدينة ستنضم إلى أديس أبابا. ويرى البعض أنه كان هناك هدف غير معلن لهذه الخطة، ألا وهو تمكن الائتلاف الحاكم من السيطرة على إقليم أورومو لاحتواء أي موجات معارضة هناك، ومع استمرار التظاهرات ومشاركة جماعة أمهرة فيها، قامت الحكومة في أكتوبر 2016 بإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وقد تم اعتقال ما يقدر بحوالي 1600 معارض خلالها.

محاولات الاحتواء:

سعت الحكومة للقيام ببعض محاولات التهدئة، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي في نوفمبر 2016 عن تشكيل وزاري جديد حصل خلاله إقليم أورومو على 9 حقائب وزارية من بينها منصب وزير الخارجية، في مقابل 7 حقائب في الحكومة السابقة، فيما حصل إقليم أمهرة على 8 حقائب وزارية بينها منصب نائب رئيس الوزراء.

وتجددت الاحتجاجات في فبراير 2018 في إقليم أوروميا للمطالبة بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وتحولت هذه الاحتجاجات إلى أعمال عنف في بعض المناطق، وعقب هذه الاحتجاجات أعلن “هايلي مريام ديسالين” استقالته في 15 فبراير 2018 مصرحًا بأن ” هذه الاستقالة تأتي ضمن جهود تهدف إلى تقديم حلول نهائية للوضع الراهن في البلاد”، وعقب هذه الاستقالة بيوم أعلن مجلس الوزراء فرض حالة الطوارئ، وذكر في بيانٍ له أن “إعلان الطوارئ جاء عقب مناقشات لمجلس الوزراء، حول التحديات الأمنية والاضطرابات والاحتجاجات التي شهدتها البلاد، والتي لا يمكن للقوانين الطبيعية التعامل معها”.

وتصاعد سقف المطالب بعد استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي، لا سيما من قبل حركة “سبات قنبوت” المحظورة التي يقع مقرها في إريتريا، و”جبهة تحرير الأورومو” حيث طالب كلاهما بضرورة وجود فترة انتقالية، مع فتح حوار مباشر مع المعارضة في الداخل والخارج لوضع خارطة طريق تضمن استقرار البلاد لتجاوز الأزمة الحالية، والتمكن من إجراء الانتخابات المقبلة في عام 2020، كما حاولت الحكومة الإثيوبية تهدئة المتظاهرين عبر الإفراج عن 7 معارضين بارزين من حزب مؤتمر “الأورومو الفيدرالي”، خاصة وأن الحل الأمني لم يستطع معالجة الأزمة القائمة منذ عام 2015.

وفي إطار محاولات التهدئة، يتوقع البعض أن يخلف “أبي أحمد” (من قومية الأورومو) رئيس الوزراء “ديسالين” في ظل تمتعه بالقبول لدى الأورومو، بالإضافة إلى إجادته للغات القوميات الأخرى، فجبهة تيجراي التي تعد الحاكم الفعلي لإثيوبيا لا ترغب في اختيار أحد أفرادها كرئيس للوزراء خوفًا من تصاعد وتيرة الاحتجاجات، كما يوجد بعض المرشحين الآخرين، مثل: “ميريرا جودينا” المعارض الأورومي، و”ديميك ميكونن” نائب رئيس الوزراء الحالي من قومية الأمهرة، و”ليما مجرسا” حاكم إقليم أورومو الذي يحظى بقبول كبير من الشباب، و”ورقنيه قبيو” وزير الخارجية الحالي ومن قومية الأورومو.

مستقبل الفيدرالية:

تحتوي إثيوبيا على ما يزيد عن 87 قومية مختلفة، وتعد مجموعة الأورومو أكبر الإثنيات الإثيوبية، حيث تزيد عن 40% من إجمالي عدد السكان، تليها الأمهرة التي تقدر نسبتها بما يتراوح بين 25% إلى 30%، يليهم ذوو الأصول الصومالية، ثم قومية التيجراي وتبلغ نسبتها ما يتراوح بين 5% إلى 7%، فيما يوجد في إقليم جنوب إثيوبيا ما يزيد على 56 قومية منها: السيداما، والقراجـي، والولاباشا، والهديا، ومن الجدير بالذكر أن “ديسالين” رئيس الوزارء السابق كان ينتمي إلى الجماعات الجنوبية.

ويهدف الدستور الإثيوبي الذي أُقر في عام 1994 إلى معالجة التعددية الإثنية في إطار دولة فيدرالية لها القدرة على الاستمرارية والبقاء، وجاءت مواد الدستور معبرة بوضوح عن أسس النظام السياسي الذي يقوم على حكومة فيدرالية ذات نظام ديمقراطي برلماني، مؤكدًا بوضوح حق الجماعات العرقية في تقرير مصيرها، حيث تنص المادة “39” من الدستور على حق الأقاليم في تقرير مصيرها، بما في ذلك الانفصال بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي على الطلب، كما يجب على الحكومة عمل استفتاء في مدة لا تزيد عن 3 سنوات من تاريخ استلامها طلب الانفصال.

ويتخوف البعض من أن تقوم القوميات المضطهدة باستخدام هذه المادة للانفصال، خاصة وأن قوميتي الأورومو والأمهرة لا يزال لديهما الكثير من المطالب، مثل: المطالبة بضرورة إشراكهم في الحياة السياسية، وتمثيلهم بشكل عادل بما يتناسب مع عددهم، ومنح امتيازات للأقاليم التي تتواجد بها كلا القوميتين، وتقسيم الثروات بشكل عادل، والقيام بإصلاحات هيكلية تُمكِّنهما من المشاركة في السلطة، وكافة هذه المطالب تعني تخلي التيجراي عن وضعه المتفوق داخل الائتلاف الحاكم.

ويظل من المبكر القول بأن الاحتجاجات الحالية فى إثيوبيا تنذر بفشل مشروع الفيدرالية، إلا أن هناك بعض التحليلات التي تشير إلى أن هذه الاحتجاجات قد تهدد سيطرة الأقلية الحاكمة على السلطة، والتي تخشى من اتساع رقعة التظاهرات والاحتجاجات لتمتد إلى باقي الأقاليم بصورة يصعب معها التسوية السياسية.

ختامًا يمكن القول إن جماعة “تيجراي” المهيمنة تميل إلى أن يكون رئيس الوزراء القادم من قومية مختلفة مثل “ديسالين” على أن يلتزم بالحفاظ على مصالحهم مع ضبط الأوضاع الأمنية المضطربة.

عن مركز المستقبل للدراسات المتقدمة
صلاح خليل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى