العوفي يكتب: ما كان لتونس أن تزيد في الطين بلة وهي المعروفة بانتهاج “السياسة العقلية” قولًا وعملاً
ما كان يميز تونس وسياستها المغاربية، إلى يوم الناس هذا، هو التوازن، والحياد الإيجابي، واحتساب المستقبل المشترك. موقف ثابت، استراتيجي، مبدئي وبراغماتي في نفس الآن. موقف كان يحفظ لها مكانة الوسيط بين الأشقاء المتخاصمين ويمنحها الحق والمصداقية في إصلاح ذات بينهم.
هذا الرصيد تداعى هشيماً تذروه الرياح من جراء الاستقبال “الحار” الذي خصَّ به الرئيس التونسي زعيم الانفصال.
لا شيء، أقول لا شيئ البتة، يُسوِّغ هذا “الانقلاب” المباغت، الجامح، الشارد، الذي يضرب بالأخلاق السياسية عرض الحائط، والذي يجُبُّ تاريخاً طويلاً وعريضاً من العلاقات الودية المتينة بين البلدين.
بين المغرب وتونس أكثر من تماثُل، وتجانُس، وتشابُه، بشرياً، وسلوكياً، واجتماعياً، واقتصادياً. لا نفط، ولا غاز، ولا ريع، فكان عليهما أن يعيدا بناء منظومتهما الإنتاجية، الصناعية، والفلاحية، والسياحية، بالاعتماد فقط على القدرات المادية والبشرية الوطنية، وهي قدرات متواضعة أمام الحاجيات المتزايدة، والرهانات المتنامية، والتحديات المتفاقمة.
في غياب اتحاد المغرب العربي، نحا النمو في كلا البلدين منحى تنافسياً وليس تكاملياً. تنافُس في السياحة، والتصدير، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، تؤجِّجُ نارَهُ الأسواق الدولية، وتحكُمه سلاسل القيمة العالمية.
الكل يعرف من يقف حائلاً دون بناء الاتحاد المغاربي، من يستعدي الغريب على الجار، من يستدرج الطوفان ليغمر الجميع فقط لأنه يظن، وبعض الظن إثْم، أن المغرب هو من يقضُّ مضجعه. ما كان لتونس أن تزيد في الطين بلة، وتنساق مع الأهواء، وهي المعروفة بانتهاج “السياسة العقلية” قولًا وعملاً.
لا أريد لنا أن نسُبَّ المستقبل، وقد لا تكون النازلة سوى سحابة صيف عن قليل تنقشع. لا تهويل ولا تهوين. بل يقظة، وإحاطة، وحسن تصرُّف.