منعم وحتي يكتب: المهدي .. القصر .. المؤسسة الأمنية ..
استنادا إلى جدلية التاريخ واستنباط المعادلات التي تحكم تراتب الأحداث، أعود بذاكرة المغرب المقاوم الذي لم يستَكِن يوما، رغم تسويق المخزن لوهم الشعب الخانع، إلى بداية السبعينات و لخيار حمل السلاح ضد القصر و ذيول الاستعمار الجديد والذي تبناه الجناح السري للاختيار الثوري في إطار أنوية الحركة الإتحادية الأصيلة و التي نعتبرها جزءا من تاريخنا المُشَرِّف كطليعيين و الذي يحاول البعض طمسه تحت مسميات البلانكية و المغامرة، ففعلا خيار النضال الديمقراطي الجماهيري لا يعفينا من تبني هاته المرحلة كجزئ من تاريخنا الذي يجب أن لانستعر منه.
أعود لبيت القصيد في التذكير بهذه المحطة التاريخية، حيث أنه إبان المواجهات الدامية ضد هاته الأنوية، كان الحسن الثاني جازما في أمرين أساسيين نابعين من عدم ثقته لا بالجيش و لا بألوية الأمن :
* عدم استعمال ذخيرة السلاح الثقيل بأي شكل من الأشكال، مخافة انقلاب فواهات المدافع الى القصر و محيطه، مما يؤكد تخوف القصر من سلطة مضادة تنبعث من المؤسسة العسكرية و الأمنية، هذه المقاربة التي استمرت في الزمن.
* أثناء مواجهة الثوار حرص القصر على أن لا يستفرد لواء أمني خاص بالعملية، دائما في إطار التخوف من استقواء الثوار بهذا الفصيل الأمني أو العكس، فقد أعطى الحسن الثاني أمره لتشكيل فيلق متنوع من الجيش، الشرطة، الدرك، القوات المساعدة، القُيَّاد، الحيَّاحة، البياعة لضمان فشل أي ارتداد أمني محتمل.
من الأكيد أن هاته المقاربة في تعاطي القصر مع الجيش و المؤسسة الأمنية ستستمر حتى بعد وفاة الحسن الثاني، خصوصا و أن عقيدة الجيش (ليس بالفهم الديني و لكن بالمنطق الوطني) بُنِيَتْ بتمتيع كبار الرُتَبِ بامتيازات ريعية في البر و البحر لإدخالِهم لمحيطِ الولاء مما يجعل هذا البناء العلائقي هشاً في غياب مؤسسة أمنية تحت الرقابة الشعبية ععقيدتها وولاؤها للوطن.
تحل الذكرى الثالثة والخمسون لاختطاف الشهيد المهدي بن بركة، ليس المناضل الفذ فقط، لقد كان من أبرع أساتذة الرياضيات دوليا بشهادات حية حتى من ألذ أعدائه، أما حان للقصر أن يميط اللثام عن جريمة سياسية تنتهي خيوطها في محيطه، على الأقل برفع اليد على الحرس القديم و أرشيفاتهم الدموية من باب الولاءات المتدبدبة والهشة المذكورة أعلاه و تفعيل توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة على علاتها ومطالب الحركة الحقوقية.
لماذا القصر وليس الحكومة:
– أولا، لأن حكومة التناوب و التي كان الأجدر بها تحريك الملف نامت أو نوَّمت هذا الملف حتى تجتاز السكتة القلبية المزعومة.
– ثانيا، لأن الحكومة الحالية لا تملك الجرأة حتى على تطبيق الحد الأدنى من صلاحياتها الدستورية فما بالك الوقوف في وجه الحرس القديم للدفاع عن أحد رموز اليسار.
– ثالثا، لأن السياق التاريخي للاختطاف و المعطيات المتواترة من التحقيقات تنتهي خيوطها في محيط القصر، فلماذا تغطية الجناة و لو بصفتهم محتملين، فالملك دستوريا هو رئيس المجلس الوزاري و تفعيلا لربط المسؤولية بالمحاسبة الذي بحت له حناجر حركة 20 فبراير وجب تقديم اللائحة المطلوبة للتحقيق من طرف القاضي للعدالة و لو كانت من أسماء وازنة.
إن المواثيق الدولية التي يؤشر عليها الدستور الحالي على علاته، تنص على أن الجرائم السياسية من طينة اختطاف نابغة و إطار مٌحنك من قبيل المهدي بن بركة لا يطالها التقادم، إن الأجساد يمكن أن تُبَاد لكن الأفكار حرة طليقة تأبى القيود، فلا يسبح مع التيار إلا السمك الميت.
إن الطي النهائي لصفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان يمر بالضرورة عبر تمتيع الشعب المغربي بمعرفة الحقيقة، فكما لا نستَعِرٌ من ماضينا يجب على الطرف الآخر أن لا يَسْتَعِرَ من جلاديه، فهو تاريخ في ملك المغاربة في نهاية المطاف.