الرئسيةرأي/ كرونيك

بعيدا عن الرثاء.. و عن كل مايقال في لحظات الفراق و الموت..سأكتب عن غزلان بن عمر الرفيقة

بقلم سارة سوجار

..بعيدا عن الرثاء، عن النعي، و عن كل مايقال في لحظات الفراق و الموت و الرحيل … . …………………سأكتب عن غزلان بنعمر الرفيقة، لأنها أكثر من يجسد معنى هذه الكلمة في أبعادها الإنسانية و النضالية و السياسية .
قد لا تلتقي غزلان كثيرا،…. لكن كلما التقاها احدهم تركت لديه بصمة خاصة تجعله يفهم انه أمام شابة استثنائية لا تشبه الاخريات.

كن متأكدا أنه في جلسة واحدة مع غزلان ، يمكن أن تحدثك عن آخر الأفلام السينمائية، تقرألك بيتا من قصيدة، تستشهد بمقولة فلسفية أو من رواية، تحلل معك آخر الأخبار السياسية و الاقتصادية . و قد تستمر لتحدثك عن الحب و الدينامية الاجتماعية و الاعتقال و قيم الحرية .

كانت قارئة نهمة، تقرأ بلغات متنوعة، و تكتب جيدا باللغة العربية و الفرنسية، وتستطيع أن تنتج مقالات تحليلية جد موفقة حتى انها كانت تنافس أقلاما معروفة في المغرب.

كانت غزلان محبة للرقص والموسيقى ،و حتى و إن اختلفت معها في الموقف أو القراءة السياسية كانت تدبر ذلك بطريقتها الذكية . كانت غزلان امراة جميلة و أنيقة في مظهرها و كانت تعشق كل مظاهر الجمال و الحياة.
ظلت وفية لرفيقاتها و رفاقها، و احترمت تقديراتهم ، بل ودافعت عن حقهم في الاختيار و التقدير السياسي حتى لو لم تفق معه ، و حافظت على علاقاتها الإنسانية معهن و معهم.

كانت مدافعة شرسة عن مواقفها و قناعاتها مع الجميع و في كل الظروف. كانت لها علاقة مميزة حتى مع أولئك الذين اختلفت معهم لأنها كانت محترمة ،نقية، واضحة،و متفهمة .

ظلت منخرطة غيورة على تقدم الوطن و متتبعة لكل الأحداث حتى بعد مرضها فلم يكن يفوتها أن تسألني في كل مرة عن أحوال معتقلي حراك الريف و عن المبادرات الممكنة لحل ملفهم و ملف كل المعتقلين .

أرادت غزلان أن نحافظ على صورتها الجميلة ، الشغوفة بالخياة، المبتسمة، المرحة،المقاومة، المتحدثة الجيدة لذلك قاومت المرض بشجاعة و صبر إلى آخر أيامها.


غزلان لن تعوض ، و قد كانت من أهم شباب جيلنا الذي حلم و ظل يحلم بمغرب الحرية و المساواة و الكرامة .

رحلت غزلان و رحلت معها ذاكرة جيل بأكمله ، و ذاكرة تجربة نوعية طبعت تاريخ المغرب، غزلان هي جزء من ذاكرة عشرين فبراير غير الموثقة، رحلت و رحلت معها الكثير من الحقائق و التفاصيل .

شابات وشباب عشرين فبراير لم يجمعهم.هن الحلم و السياسة و الساحات فقط، بل جمعتهم علاقات إنسانية وطيدة حتى لو كانت معقدة، مركبة ، أحيانا متوترة، وحتى لو تفرقت بهم السبل و الطرق في حياتهم السياسية و المهنية…لكن تجمعهم علاقات إنسانية عميقة وأرواح متضامنة و نبيلة و هذا الذي مالم يفهمه و لن يفهمه الكثيرون….


هذه الروح الإنسانية هي التي تجمعهم في مثل هذه اللحظات، بل هي التي صنعت تلك اللحظة السياسية و صنعت لحظات أخرى بعدها …….
غزلان درس آخر يذكرنا أنه لا يجب أن ننسى بعضنا، و أن الحياة قد تخطف أحدنا في أي لحظة دون تحذير و في غفلة منا ….
لست حزينة فقط لرحيلك، لكني أحس و كأن شيئا ظل ناقصا، شيئ لم يكتمل، شيء تركته وراءك لا أعلم ما هو …ولكن هذا الرحيل مبكر جدا ، غريب جدا، مؤلم جدا، و غير مقبول ….

ربما كان علينا أن نقضي وقتا أكثر في الصداقة عوض السياسة، ربما كان علينا أن نضحك أكثر عوض أن نتجادل في الموقف و التقدير ،ربما كان علينا السفر أكثر عوض أن نخرج في المسيرات و الوقفات و الجموعات العامة، أو ربما هذا ماكان علينا أن نعيشه في سياقه و لحظته وزمانه.


لقد كانت غزلان شجاعة و قوية ،و لم ترد أن يرى أحد ضعفها ، بل حتى في المرات التي رأيتها فيها، كانت مقاومة و صامدة، و أتذكر كيف منعتني من أن أكتب أو أقول اي شيء يخص مرضها ، لأنها كانت تريدنا أن نتذكر فقط المرأة التي انتصرت على الحياة وعلى المرض.
لن أنسى رفيقتي المتمردة، الجميلة،الحالمة و النقية و سأحتفظ بآخر رسالة كتبتها لي بعد أن غادرت منزلي و لم ارها بعد ذلك ….
لذلك سأحتفظ بتلك المفاتيح إلى حين لقائنا…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى