حول العالم

“النصر الجديد” لليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية صدمة جديدة للوحدة الأوروبية

 

تُعد نتائج الانتخابات الإيطالية صدمة جديدة للوحدة الأوروبية  ، إذ يأتي صعود اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية في إيطاليا في خضم تحولات ضاغطة عصفت لفترة طويلة باستقرار الاتحاد الأوروبي، يتمثل أهمها في هيمنة التيارات اليمينية على رئاسة حكومات اليونان والمجر وبولندا، والمشاركة في الحكومات الائتلافية في فنلندا والنرويج والسويد، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتزايد الاتجاهات المعادية للهجرة وحرية الانتقال عبر حدود الدول الأعضاء في الاتحاد. وبحصد اليمين المتطرف مكاسب مهمة في الانتخابات الإيطالية ستتمكن هذه التيارات من تَرَؤُّس أو على أقل تقدير المشاركة في الحكومة الائتلافية في ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو مما ستترتب عليه تداعيات داخلية وإقليمية ودولية مهمة.

سياقات الانتخابات:

جاءت هذه الانتخابات عقب استقالة رئيس الوزراء “ماتيو رينتسي” قائد يسار الوسط في أعقاب عدم تمكنه من الحصول على الدعم الشعبي في استفتاء عام أُجري على بعض التعديلات الدستورية، وقد عين رئيس الدولة “سيرجيو ماتاريلا” وزير الخارجية “باولو جينتلوني” رئيسًا لحكومة تسيير الأعمال حتى انعقاد انتخابات مبكرة.

وقد تم الاعتماد في هذه الانتخابات على نظام انتخابي جديد مختلط، حيث يُنتخب حوالي ثلث المقاعد في غرفتي البرلمان بالنظام الفردي (الأغلبية النسبية)، بينما الثلثان من خلال التمثيل النسبي، ويحفز هذا النظام على الدخول في تحالفات لتقليل التنافس على المقاعد الفردية، وقد رُوِّج له إعلاميًّا على أنه يحقق قدرًا أكبر من الاستقرار السياسي في إيطاليا التي تُعاني من عدم استقرار الحكومات، بيد أن هذا النظام يقلل من قدرة القوى الرئيسية على الحصول على الأغلبية، حيث يجب إقامة تحالفات بين القوى المتنافسة لتشكيل الائتلاف الحكومي.

صعود اليمين:

لم تتمكن أي من القوى الثلاث الرئيسية من الحصول على الأغلبية، وتراجعت القوى السياسية التقليدية، سواء من يمين الوسط أو يسار الوسط.

وقد حصل ائتلاف اليمين على المركز الأول، ويضم هذا الائتلاف: حزب يمين الوسط (Forza Italia) “إلى الأمام إيطاليا” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق برلسكوني، و”حزب الرابطة” (رابطة الشمال سابقًا) اليميني المتطرف الذي يقوده “ماتيو سالفيني”، ويتبنى شعار “إيطاليا أولًا”، ولديه توجهات معادية للاتحاد الأوروبي والهجرة، كما يضم حزب “إخوة إيطاليا” وهو قومي محافظ. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي التي عُقدت قبيل الانتخابات قد أكدت تصدر حزب “إلى الأمام إيطاليا” في الائتلاف اليميني؛ إلا أنه على النقيض من ذلك حصل “حزب الرابطة” على أعلى الأصوات داخل الائتلاف.

وجاء في المرتبة الثانية “حزب حركة 5 نجوم” الشعبوي بنسبة 32.22% ليصبح أكبر حزب مستقل بعيد عن أي ائتلاف من حيث عدد الأصوات، وقد أسس الحزب الممثل الكوميدي “بيبي جريللو” عام 2009، وقد أطلق عليه اسم “5 نجوم” نظرًا لأنه يدافع عن خمس قضايا، وهي: المياه العامة، والنقل المستدام، والتنمية المستدامة، والحق في الوصول للإنترنت، وحماية البيئة.

ويتزعمه حاليًّا “لويجي دي مايو” البالغ من العمر 31 عامًا، ويعد أكثر وسطية من “جريللو” مؤسس الحزب. وبصفة عامة يروج الحزب لنفسه باعتباره بديلًا عن الأحزاب التقليدية، ويتشكك في جدوى الاندماج الأوروبي، بينما جاء “ائتلاف يسار الوسط” الحاكم الذي يتزعمه الحزب الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء السابق “ماتيو رينتسي” في المرتبة الثالثة، حيث حصل على 18.9% فقط من الأصوات.

لالات النتائج:

يمكن رصد العديد من الدلالات للانتخابات الإيطالية، سواء على مستوى الداخل الإيطالي أو الصعيد الأوروبي:

1- الانقسامات الجغرافية: تُظهر نتائج الانتخابات انقسامًا جغرافيًّا واضحًا، فقد حصل حزب “حركة ٥ نجوم” على معظم الأصوات في الجنوب، في ظل أزمة ارتفاع معدلات البطالة في الجنوب، والشعور بالتهميش من روما وبروكسل، لا سيما مع تعهد الحزب بتقديم دخل أساسي لمن هم دون خط الفقر، وهو ما جاء متوافقًا مع توجهات ناخبي المناطق الفقيرة في الجنوب.

بينما حصد “حزب الرابطة” أصوات الشمال ليتخطى حزب “إلى الأمام إيطاليا”، بل ويحصل على مقاعد في معقل الحزب الديمقراطي شمال روما، وساعده على ذلك خطابه المعارض للهجرة والداعي للتعامل بقوة معها، وسعيه للحفاظ على القانون والنظام، مما وجد صدى لدى الدوائر الانتخابية في الشمال.

2- استمرار التصويت الاحتجاجي: تُرجع بعض الدراسات تزايد التصويت للأحزاب الشعبوية في أوروبا إلى ما يعرف بظاهرة التصويت الاحتجاجي نتيجة الغضب من السياسات الحكومية تجاه الهجرة، والتعامل مع الأزمات الاقتصادية، وعدم الرضاء عن القيادات السياسية نتيجة فسادها أو عدم كفاءتها.

وفي هذا السياق، أكدت استطلاعات الرأي أن قضية الهجرة تأتي في اهتمام 36% من الإيطاليين وفقًا لاستطلاع رأي أُجري في مايو 2017، يضاف إلى عدم الرضاء عن الوضع الاقتصادي خاصة في الجنوب، فحوالي 46٪ من الإيطاليين يعتبرون الأزمة الاقتصادية الخطر الأول وفقًا لاستطلاع للرأي عام 2016.

3- تراجع تيار الوسط: يعاني التيار الرئيسي الوسطي والذي سيطر على السياسة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من تراجع كبير، حيث تتكبد التيارات الرئيسية في السياسة الأوروبية، سواء يسار الوسط أو يمين الوسط، خسائر في الانتخابات، وقد بدأ ذلك في الدول الصغيرة، ويمتد الآن إلى الدول الأكبر في أوروبا.

 

 

 

هايدي عصمت كارس  مركز المستقبل بتصرف

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى