صحافي تونسي يتسأل…ماذا كسب المغرب من كأس العالم؟
الفوز على إسبانيا مهم، لكن أن يقول نجم منتخبه ردا على سؤال وجهته له صحيفة «ماركا» الإسبانية ساعات قبل انطلاق مقابلة، أمس الثلاثاء، بين المنتخبين المغربي والإسباني عن السبب الذي جعله يختار اللعب بزي المغرب بدلا من زي إسبانيا: «لم أشعر بأني في وطني لم يكن ذلك بسبب أي شيء على وجه الخصوص، لكن هذا ما شعرت به، لم أجد ما كنت أعيشه في المنزل: إنها الثقافة المغربية، فأنا مغربي وأردت أن أكون هنا»، أي في المنتخب المغربي فهذا أيضا مهم.
ومن المؤكد أن الروح التي تحدث بها أشرف حكيمي قد تلهم الآن كثيرا من الشباب المغربي والمغاربي البائس واليائس، بعد الإنجاز الباهر الذي حققه «أسود الأطلس»، وقد تجعله يراجع حساباته، ولن يكون ذلك وحده بالمكسب البسيط حتى إن حصد المغاربة غيره.
فالعوائد السياسية التي غنموها من التظاهرة الكروية العالمية، قد تفوق بمرات أي أرباح مالية أو اقتصادية سيجنونها. ومن الواضح جدا أن ذلك هو ما عجل بدخول سياسييهم بسرعة على الخط. وحديث موقع «زنقة 20» الإخباري قبل أيام، عن «هجرة» عدد كبير من نواب البرلمان المغربي إلى قطر لمتابعة مباريات الفريق المغربي في المونديال، وإرجاء الندوة الصحافية للناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية من الخميس إلى الجمعة الماضيين، الذي جاء «لتمكين الصحافيين من متابعة مقابلة المنتخب الوطني ونظيره الكندي»، حسبما ذكرته حينها بعض المصادر الإعلامية، إضافة إلى الإعلان عن تعديل برنامج الجلسة، التي كان من المفترض أن يعقدها مجلس المستشارين عصر أمس الثلاثاء، لتزامنها مع مباراة الفريق المغربي مع نظيره الإسباني، كلها تثبت في النهاية شيئا واحدا وهو، أن الطبقة السياسية في الرباط وعلى اختلاف مشاربها ومستوياتها أعطت الحدث الكروي بعدا وطنيا خالصا، قد لا يقل حجما عن الزخم الشعبي الذي أخذه بالفعل.
لكن بعيدا عن حجم المبالغ أو المكافآت المالية المهمة التي سيحصل عليها الفريق المغربي في ختام مشاركته في مونديال قطر، أوعن التقدم الذي سيحرزه في ترتيب الفيفا بعد بلوغه أدوارا متقدمة في أكبر مسابقة رياضية في العالم، فإن العوائد التي سيجنيها المغرب من مشاركته السادسة في بطولة كأس العالم لكرة القدم، تبدو بالفعل أكبر وأهم بكثير.
وليس بدعة أبدا أن يُنظر في الرباط وفي عواصم الجوار أيضا إلى تلك المشاركة على أنها أداة أخرى قد يتحقق من ورائها بعض المقاصد، أو الأهداف السياسية والدبلوماسية. لقد كان الناطق الرسمي باسم الحكومة في قمة انشراحه ونشوته حين قال للصحافيين الجمعة الماضي «إن الأداء المميز للمنتخب المغربي منبع فخر واعتزاز للمغاربة جميعا.. رفعوا رؤوسنا عاليا وشامخا وجعلونا نؤمن بأن العمل في هدوء وبعيدا عن الضغط يعطي نتائج مهمة». وبالنظر لما تواجهه من تحديات وصعوبات، فإن النتائج التي حققها الفريق المغربي في قطر، كانت بمثابة الهدية التي نزلت على الحكومة من السماء، وأتت في الوقت المناسب تماما لتخفف عنها بعض العبء والضغط، وتمنحها قليلا من الأوكسجين.
لكن بعيدا عن الداخل فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل إن هناك أيضا مكاسب خارجية من المونديال؟ والأمر يتعلق هنا أساسا بمسألتين أساسيتين متداخلتين وهما الصراع الطويل مع الجارة الشرقية، وملف النزاع الصحراوي، الذي تعتبره الرباط مفتعلا، ولن يكون مستبعدا أن يكون ذهاب وزير الخارجية المغربي إلى العاصمة القطرية لحضور مباراة فريق بلاده مع كندا، التي نقل خلالها رسالة شفوية من العاهل المغربي إلى أمير قطر، وكانت تتعلق «بالعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وأوجه تنميتها وتطويرها» حسبما ذكرته المصادر الرسمية، بالأمر المعزول تماما عن التطورات التي ترتبط بالملفين الحيويين اللذين يشغلان المغرب، ويعتبران قطب الرحى والبوصلة الأولى لتحركاته الدبلوماسية.
ومع أنه ليس معروفا بعد إن كان القطريون الذين يملكون علاقات جيدة مع الجارتين المغاربيتين، والذين عرف عنهم نجاحهم في تقريب وجهات النظر والتوسط بين الفرقاء في أكثر من نزاع وخلاف دولي، بصدد بذل جهود ما لخفض التصعيد بين الرباط والجزائر، وتهيئة الأجواء للقاء طال انتظاره بين الشقيقين الغريمين، حول طاولة الحوار، خصوصا بعد اللقاء الذي جمع الأمير تميم بالرئيس تبون في افتتاح بطولة كأس العالم، غير أن المؤكد، أن تخلف بوريطة عن مشاركة نظيره الغواتيمالي حفل افتتاح قنصلية غواتيمالا في مدينة الداخلة الصحراوية والذي توافق مع يوم وجوده في قطر، رغم الأهمية الشديدة التي توليها الرباط لما يعرف بدبلوماسية القنصليات، يجعل توجهه إلى الدوحة مرتبطا بالدرجة الأولى بتطور أو باختراق ولو محدود قد يكون حدث في ذلك الملف بالذات.
ومع أن الإعلام الجزائري يواصل نفيه لأي محاولات للوساطة أو التقريب بين الجارتين، ويحاول أن يستعيد باستمرار ما قاله وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في مناسبة سابقة من أنه «لا وساطة لا الأمس ولا اليوم ولا غدا» مع المغرب، إلا أن الكرة المغربية ترتد الآن على ما يبدو إلى المرمى الجزائري بقوة.
فالتفاعل الشعبي الواسع داخل الجزائر مع انتصارات الفريق المغربي في مونديال قطر قد يجعل من تواصل الرفض لأي حوار، أمرا غير مبرر أو مقبول بالنسبة لطيف واسع من المواطنين.
فمن باستطاعته الآن أن يخرج إلى شوارع الجزائر هاتفا باسم الفريق المغربي الذي مثّل وشرّف كل المغاربيين والعرب، ثم يقر ويقبل بعدها بتواصل القطيعة الدبلوماسية واستمرار إقفال الحدود، وحتى حظر الطيران المغربي في السماء الجزائرية؟
ألن يكون من التناقض الصارخ أن يفعل أي جزائري ذلك؟ لعل واحدا من أهم ما استطاع المغاربة تحقيقه من المونديال هو أنهم وضعوا شعار الأخوة المغاربية على محك اختبار حاسم. فانتصارات فريقهم بقدر ما أشعلت من جديد جذوة الحماسة والتعاطف الشعبي مع بلدهم، إلا أنها أحرجت بالمقابل، وعلى ما يبدو، الجانب الرسمي الجزائري، والتونسي بدرجة أقل، وأظهرت أن هناك نوعا من العزلة أو القطيعة بين الخطابين الرسمي والشعبي في البلدين، وتباينا واضحا في التفاعل مع ما اعتبر تشريفا مغربيا لكل العرب والمغاربيين بلا استثناء.
ولم يكن مفاجئا بالمرة أن يجيب الجزائريون الذين سألتهم بعض وسائل إعلامهم قبل مباراة الأمس بين المغرب وإسبانيا عن الفريق الذي يناصرونه، ومن دون أدنى تردد وبإجماع بأنه الفريق المغربي.
لكن ما بقي عالقا، هو أن يعرف ما إذا كان ممكنا لتلك المشاعر الشعبية والأخوية الجياشة أن تتحول لاحقا إلى قوة ضغط أو دفع نحو إعادة المياه إلى مجاريها بين الجارتين؟ أم أنها ستتلاشى وتتحلل بمرور الوقت وانقضاء المونديال؟ ربما يعتقد البعض أن اصطدام الحرج الرسمي على جدار المأزق الشعبي قد لا يبدو هنا أمرا بديهيا، لكن من يعرف ما الذي يمكن أن تفعله «الساحرة المستديرة» من معجزات لا كروية فقط، بل سياسية أيضا؟