منصف اليازغي الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية..المغرب يمنح العرب إمكانية الحلم
أعلن الحكم المكسيكي نهاية المباراة… التحفت الجماهير علما أحمرا تتوسطه نجمة خضراء… صفقوا طويلا وهتفوا باسم الوطن في ملعب “البيت” بالدوحة القطرية.
وسط الملعب، تحلق اللاعبون حول وليد الركراكي، تحدث إليهم، ثم توجهوا صوب الجمهور لتحيته، وسجدوا شاكرين الله على مسار بطولي لم يتوقعه أكبر المتفائلين.
خرج الجمهور هاتفا فرحا مبتهجا، فمنتخبه خرج من الباب الكبير أمام بطل العالم، وسيواجه في مباراة تحديد صاحب المركز الثالث كرواتيا وصيف البطل، للمرة الثانية في هذه البطولة. احتفل المشجعون طويلا في جوانب الملعب بمنتخب قادهم إلى أقصى درجات الحلم، وآمنوا بأن ما تحقق هو إنجاز مستحق تأتى بسواعد وأرجل مغربية، لكن في الوقت ذاته كان هناك عتاب عابر حول إقحام لاعبين مصابين وعن هدف مبكر خلخل خطة المدرب المغربي الذي كان يبحث عن إدخال الديوك الفرنسية في منطقة الشك في الشوط الأول، إلى جانب اقتناع البعض بأن بعض اللاعبين لم يحضروا إلا بسبب الضجيج الإعلامي.
هي من اللحظات القليلة التي تنطلق فيها الأفراح بعد الإقصاء، حتى والبعض يتحسر على ركلتي جزاء مشروعتين للمغرب أمام فرنسا، فإن ذلك لم ينل من لحظة لا تتكرر دائما، فالمغاربة لا يخرجون عن بكرة أبيهم إلا في أحداث بعينها. فهم خرجوا إلى الشوارع حزنا عن وفاة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، وفرحا باسترجاع الصحراء عبر المسيرة الخضراء، ثم انتصارا لإبداع كروي في سنوات 1986 بالمكسيك و1998 بفرنسا و2004 بتونس، ثم بشكل متكرر في مونديال قطر مع كل تجاوز للأدوار.
في قطر، كان للمغرب نصيبه من النجاح وهو يمضي إلى مباراته السابعة يوم السبت المقبل، فهو ضمِن حضور الجماهير المغربية على أرض عربية بكل مل حملته من أهازيج وسط شوارع وملاعب الدوحة، كما سيخلد المؤرخون أن دورة قطر شهدت تأهل أول منتخب عربي وإفريقي إلى الدور نصف النهائي بعدما سبق للمغرب أن وثّق في كتاب المونديال أنه كان سباقا عربيا وإفريقيا إلى المرور إلى الدور الثاني في مونديال المكسيك سنة 1986، ناهيك عن كون المغرب ثالث بلد خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية يصل لنصف النهائي بعد الولايات المتحدة سنة 1934 بإيطاليا وكوريا الجنوبية بدورة 2002 التي احتضنتها مناصفة مع اليابان.
تقنيا، منح وليد الركراكي إشارات قوية تهم المدرب المحلي أو الوطني، فهو ثالث مدرب وطني يقود منتخبا عربيا بعد عبدالمجيد الشتالي مع تونس سنة 1978 ومحمود الجوهري مع مصر سنة 1990 وعبدالله بليندة مع المغرب سنة 1994، علما أن المنتخبات الخمس التي مثلت إفريقيا بدورة قطر كانت برمتها تحت قيادة وطنية. والأكيد ان هذا التوجه أصبح سائدا بقوة في أغلب المنتخبات، فإلى جانب أن المنتخبات الثمانية الفائزة بالمونديال منذ سنة 1930 حققت ألقابها بمدربين وطنيين، فإن 24 منتخبا من أصل 32 حضروا مونديال قطر بمدربين وطنيين، و16 منتخبا تأهل للدور الثاني بأطر وطنية باستثناء مدرب كوريا الجنوبية الذي لم يبلغ ربع النهائي.
لقد حرص الركراكي على إيصال عدة رسائل بشكل واضح عبر ندوات صحفية تناقلتها مختلف شاشات العالم، فهو استغرب من استمرار بعض الدول العربية والإفريقية في الشعور بالدونية أمام باقي المنتخبات الأخرى بأوروبا وأمريكا، مشددا على أن هذه العقدة غير موجودة إلا في ذهن من يرغب في تثبيتها. ولم يتوقف إبداع الركراكي عند هذا الحد، فهو قدم للعالم أسلوبا فريدا في اللعب هو حاليا محط نقاش وسجال بين المحللين التقنيين، كما دافع عن فلسفته التي أوصلته لمباراة نصف النهائي في واحدة من مفاجآت المونديال، إلى الحد الذي جعل الجميع يصفونه بإيطاليا إفريقيا، على اعتبار أن منتخب الزرق كان له نفس الأسلوب والمسار في دورتي 1994 و2006.
هناك مباراة تحديد صاحب المركز الثالث يوم السبت المقبل أمام كرواتيا التي انطلقت رحلة المغرب أمامها ويختتمها ضدها مجددا في المباراة السابعة للفريقين. التاريخ يحتفظ بالصف الثالث كإنجاز موثق، وبالتالي تبرز أهمية دخول المباراة بالجدية اللازمة أمام منافس ارتفع أداؤه بعد كل مباراة خاضها في المونديال خصوصا وهو يقذف بالبرازيل خارج الدورة في واحدة من أكبر المفاجآت.
إذا كان المغرب أبهرنا جميعا، فإن الإبهار الحقيقي هو أن يتجسد ذلك في كاس إفريقيا في كوت ديفوار سنة 2024 من خلال لقب قاري ثان يبعث الدفء في لقب يتيم يعود إلى 46 سنة خلت، ثم في مونديال 2026 عبر حضور وازن يتجاوز حدود الثقافة السائدة عربيا والتي حولت التأهل إلى المونديال إنجازا كبيرا.