رأي/ كرونيك

محددات القرار السياسي للمسؤولين بالجارة الشرقية

إدريس الكتامي
من المفروض أن تساهم الرياضة في تقارب الشعوب وتعارفها، باعتبارها تحمل رسالة نبيلة للمحبة والتآخي والسلام، لكن حين تقحم السياسة في الرياضة تجرد هذه الرسالة من ماهيتها وأهدافها، وهو ما حدث، للأسف، وبشكل غير مقبول، ومردود عليه، في دورة هذه السنة بنهائيات كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين في كرة القدم “الشان”، المنظمة بالجارة الشرقية، حيت حرم المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 23 سنة من المشاركة للدفاع عن لقبه وحظوظه، وهنا يتوجب على الاتحاد الافريقي والاتحاد الدولي لكرة القدم إنزال أشد العقوبات على المسؤولين على هذه المهزلة، التي تسيء لسمعة كرة القدم الإفريقية، باعتبار أن قرار عدم الترخيص لطائرة الخطوط الملكية المغربية، التي تنقل بعتة المنتخب المغربي بالتحليق فوق أجواء الجارة الشرقية هو قرار سياسي متهور ويتنافى مع القوانين المنظمة “الكاف”.

بحيت اعتبر المتتبعون والإعلاميون، وحتى السياسيون أن هذا القرار يفتقد للمباديء والأخلاق الرياضية واللباقة السياسية، وبالحديث عن الأخلاق والرياضة في هذه النازلة قد يبدو للبعض ترفا فكريا أو تأصيلا نظريا، لكنه يبقى ضروريا لفهم الواقع السياسي البئيس في العلاقة التي تربط بين المملكة المغربية الشريفة والجارة الشرقية …

فإذا كان المتعارف عليه في مسارات الدول وقراراتها، تحدده المصالح الإقتصادية والسياسة، من جهة، والروابط القومية والتاريخية والجغرافية، من جهة ثانية، وأنها محكومة بأعراف ومباديء مسلم بها، إلا أن المتتبع للنزاع بين الدولتين يلمس بشكل جلي أن السياسيين بالجارة الشرقية يتنكرون للروابط القومية والتاريخية وللإنتماء المشترك، ويخونون مباديء وقيم الأخوة والتسامح والسلام ورفاهية الشعبين، وتطوير صرح المغرب الكبير، وهذا كله من أجل مصالحهم الشخصية، الضيقة الانتهازية، بعيدا عن مصالح شعبهم، وتنمية بلدهم، كما يفترض، وهو موجه بالأساس ضد مصالح جيرانهم، لإعاقة مسيرة نجاحهم، وهو ما تجلى في إقدامهم العدواني على خلق كيان وهمي، بتجنيد مجموعة من المرتزقة والإرهابيين، وبعض المغرر بهم من أبناء أقاليمنا الجنوبية وإيوائهم في مخيمات العار بتندوف، وتسليحهم بأموال الشعب الجزائري الشقيق، والارتزاق والمتاجرة باسمهم، في المحافل الإقليمية والدولية، في محاولة يائسة منهم لإعاقة مسيرة الوحدة الوطنية لأراضينا المسترجعة، والتنمية الشاملة، والاستقرار السياسي والاجتماعي، الذي تنعم به بلادنا، كل ذلك بحجة مساندتهم لهذا الكيان الوهمي، في حقه لـ”تقرير المصير”، وهو ما يتنافى مع سلوكهم وتعاملهم مع الأقليات المضطهدة ببلدهم، سواء في منطقتي الشمال أوالجنوب …

ولفهم هذا العداء المتأصل والمتجدر في عقول ووجدان صناع القرار بهذا البلد الجار، لابد من تحليل شخصيتهم، وتشخيص محدداتها، بحيث يمكن الجزم بأن السياسيين العسكريين بهذا البلد لذيهم شخصية مضطربة، وسطحية، وهو ما يسمى في العلوم السياسية بـ”الشخصية المنغلقة عقليا”، إذ تتسم هذه الشخصية بقدر كبير من القلق، وعدم الثقة بالنفس، والاحساس بالدونية، وهي تركز بشكل كبير على المعلومة، بدلا من مضمونها، وعدم قدرتها على استيعاب المعلومات التي تتعارض مصالحها ونسقها العقدي، القائم على الغل والحقد والانتقام، مما ينعكس سلبا على القرار السياسي، والخيارات الاستراتيجية، كما أنها في حالة الأزمات الداخلية، تسرع إلى الهروب إلى الأمام، بتحميل المسؤولية لأطراف خارجية، إيمانا منها بنظرية المؤامرة الوهمية، وهذا كله ينعكس سلبا على السياسة الخارجية للساسة أصحاب هذه الشخصيات غير المتزنة …

وفي نظرنا فإن استئصال هذا الورم الخبيث، الذي ينخر جسد الجارة الشرقية، ويهدد السلام الإقليمي، ويعيق ازدهار وتنمية البلدين، لا يمكن استئصاله إلا من طرف الشعب الجزائري الشقيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى