الرئسيةرأي/ كرونيك

بالمامي: الحكومة تصادق على مشروع قانون لتأسيسها..الشركات الجهوية المتعددة الخدمات و المحاذير الاجتماعية

بقلم: جلال بالمامي/ فاعل نقابي

بتاريخ 26 يناير 2023 صادق المجلس الحكومي على مشروع القانون 21-83 يتعلق بإحداث الشركات الجهوية متعدد الخدمات و التي سوف تتولى تدبير قطاعات توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل بالمغرب ، الشيء الذي أثار الكثير من القلق و التساؤلات لدى العاملين في القطاع حول مستقبلهم و مكتسباتهم الاجتماعية، و لدى المواطنين من جهة أخرى بشأن كلفة هذا التحول و انعكاساته على قدرتهم الشرائية الآخذة في التدهور و التقهقر ، خاصة و أن مثال شركة لاسامير يمثل نموذجا صارخا لمؤسسة وطنية كان يعتز بها المغاربة و يعتبرونها معلمة و مفخرة وطنية، ثم رأوا بعد ذالك كيف تمت خوصصتها بعدما كانت تؤمن احتياجات السوق الوطنية من المحروقات ، و تؤمن الاحتياطات و تضمن الجودة و الأسعار ، فوصولا إلى اكتوائهم بجشع الخواص المتحكمين اليوم في سوق المحروقات الوطنية.

 

حاليا يتكلف بتدبير المرافق العمومية المحلية الخاصة بالماء والكهرباء والتطهير السائل بالمغرب ثلاثة فاعلين في المجال و هم:

مؤسسة عمومية وطنية ( المكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب )،
الوكالات المستقلة للتوزيع المحدثة بالمرسوم رقم 394-64-2 و عددها 12 وكالة منها 7 وكالات تقوم بمهام تدبير توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل أنشئت ما بين 1969 و 1969 ، و 5 وكالات أخرى تدبر توزيع الماء و التطهير السائل أنشئت ما بين 1976 و 1982.
شركات خاصة مفوض لها في إطار عقود التدبير المفوض ( أول عقد كان سنة 1997 بمدينة الدارالبيضاء الكبرى) و لم يصدر القانون المنظم لهذا الشكل إلا سنة 2005 تحت مسمى القانون 05-54 الخاص بالتدبير المفوض للمرافق العامة.

طبعا كل هذه المؤسسات خضعت لافتحاصات و تقييمات فيها إشادة و انتقادات في ذات الان و بدرجات متفاوتة، غير أن ما يهمنا في هذا المشروع القانون 21-83 الذي كان حريا أن يحظى بنقاش عمومي مجتمعي موسع ، نظرا لحساسيته المرتبطة بالأمنين الطاقي و المائي و بالقدرة الشرائية للمواطنين، هو آثاره الاجتماعية بالأساس، و لكن قبل ذالك وجب التذكير أن الحديث عن الشركات الجهوية المتعددة الخدمات كان سنة 2014 من خلال توصية للمجلس الأعلى للحسابات و المضمنة في تقريره الصادر في أكتوبر 2014 و التي جاءت على الشكل التالي ” و في قطاع توزيع الكهرباء و الماء و التطهير السائل ، يجب تعميم التوزيع المتعدد الخدمات ، لما تتيحه هذه الصيغة من معادلة في الأسعار بين المرافق الثلاثة و من إمكانية الاقتصاد الناتج عن الحجم. و في هذا الصدد، يمكن إحداث شركات جهوية للتوزيع المتعدد الخدمات تغطي مجموع التراب الوطني . كما أن اللجوء إلى التدبير المفوض ينبغي إن يسبقه إعداد المخطط المديري للتهيئة على صعيد المجال الترابي المزمع تغطيته “.

غير أن تاريخ صدور هذه التوصية سنة 2014 كان سابقا عن صدور القانون التنظيمي 14-113 المتعلق بالجماعات الذي تمت المصادقة عليه في قراءة ثانية لمجلس النواب يوم 09/06/2015 و من هنا يمكن تفكيك اللبس الذي وقعت فيه وزارة الداخلية بشأن التعارض الحاصل اليوم ما بين مشروع القانون 21-83 المتعلق بإحداث الشركات الجهوية المتعددة الخدمات و القانون التنظيمي 14-113 المتعلق بالجماعات، إذ بالرجوع إلى منطوق الفقرة الثانية من المادة 83 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات الصادر في شانه الظهير الشريف رقم 85-15-1 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 23 يوليوز 2015 نجد : “تقوم الجماعة بإحداث و تدبير المرافق و التجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين التالية :

توزيع الماء الصالح للشرب و الكهرباء، النقل العمومي ، الإنارة العمومية ، التطهير السائل و الصلب و محطات معالجة المياه العادمة ، تنظيف الطرقات و الساحات العمومية و جمع النفايات المنزلية و المشابهة لها و نقلها إلى المطارح و معالجتها و تثمينها ” كما تنص نفس المادة في فقرتها الثانية على أن الجماعة ” تقوم بموازاة مع فاعلين آخرين من القطاع العام أو الخاص بإحداث و تدبير المرافق التالية : أسواق البيع بالجملة – المجازر و الذبح و نقل اللحوم – أسواق بيع السمك” كما تؤكد الفقرة الثالثة ما يلي ” يتعين على الجماعة أن تعتمد عند إحداث او تدبير المرافق المشار إليها في الفقرة الثانية ، سبل التحديث في التدبير المتاحة لها ، و لا سيما عن طريق التدبير المفوض أو إحداث شركات التنمية المحلية أو التعاقد مع القطاع الخاص ” .و بناءا عليه فان مشروع القانون 21-83 القاضي بإحداث شركات جهوية متعددة الخدمات يعتبر غير دستوري لمخالفته القانون التنظيمي 14-113 الذي تم التصريح سابقا بدستورية أحكامه و بالتالي وجب وقف المسطرة التشريعية الحالية لاكتنافها تعارضا قانونيا بينا من منطلق تراتبية القوانين .

أما على مستوى الآثار الاجتماعية ، و لمعرفة مستواها و حدتها ،يجب أن نعود قليلا إلى الوراء و نستقرء تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2019 و 2020 و توصيته بخصوص مراجعة منظومة تعريفة الماء و التطهير حيث أكد أن نظام التعريفة المطبق على استهلاك الشريحة الاجتماعية غير قابل للاستدامة لكونه لا يساهم حتى في تغطية سعر اقتناء الماء عند الإنتاج، و هو ما رد عليه المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب في إطار رده على ملاحظات و توصيات التقرير بما يلي ” يجب الأخذ بعين الاعتبار القدرة و الإرادة للدفع لدى المستهلكين” مضيفا ” إذا كانت كلفة الخدمة لم يتم استخلاصها بالتعريفة فمن المستحب إدراج آليات من اجل تفادي العجز عن طريق منحات الاستثمار و كذا إدراج صندوق تكميلي لتفادي عجز النشاط “.

لكن بالموازاة مع هذا الرد كان هناك رد آخر لوزير الداخلية بشان نفس التوصية قال فيه ” هذا الورش باعتباره جزءا من إصلاح قطاع توزيع الكهرباء و الماء الصالح للشرب و التطهير السائل ، يمكن التفكير في تفعيله بتنسيق مع الفاعلين المعنيين” و أضاف “يمكن التفكير في ذالك بعد إتمام إنشاء الشركات الجهوية المتعددة الخدمات الذي لم يتم حاليا وضعها في إطار هذا الإصلاح”. وعليه فيمكن أن نستشف من رد الوزير في شان مراجعة نظام تعريفة الماء والتطهير أن للقرارات مقدمات تكشفها وبالتالي فالقلق بشأن رفع تسعيرة الماء هو قلق مشروع.

أما بالنسبة لوضعية العاملين فرغم أن المادة 15 من مشروع القانون تتحدث عن الالتزام بالعمل بأحسن الوضعيات ،غير أنها ضمنيا تتحدث عن قانون أساسي جديد لا تعرف النقابات تفاصيله و لا خطوطه العريضة ناهيك عن إشكاليات اجتماعية لازالت قائمة سواء ما تعلق منها بالتعاضد و التقاعد أو حتى بالمساهمات المالية لفائدة الأعمال الاجتماعية ، و لان المثل يقول أن الشيطان يكمن في التفاصيل ، فمن غير المقبول أن لا يتم الحوار ولا الاستشارة و لا التفاوض مع الشركاء الاجتماعيين و اطلاعهم على كافة التفاصيل و الجزئيات المرتبطة بمهامهم كممثلين شرعيين لآلاف العاملات و العمال في القطاع، و الذين في نهاية المطاف هم الضمانة الأساسية لإنجاح أي تحول و تغيير هيكلي أو بنيوي .

إن الطريقة التي يتم بها تدبير هذا الملف ذي الحجم الوطني، لا تسائل وزارة الداخلية لوحدها ن و إنما تسائل الحكومة برمتها حول تعهداتها و التزاماتها الدستورية خاصة في الفصلين 8 و 13 من دستور 2011 و مدى التزامها بالاتفاقية الدولية 98 بشأن التنظيم و المفاوضة الجماعية و التوصية الدولية 163 ، فالأكيد أن السياق الاقتصادي و الزمن السياسي و الاجتماعي لا يسمحان بإهدار المزيد من الوقت ، و لكن المؤكد أن الزمن الوطني يحتاج للتوافق و الاتفاق الطويل الأمد ، المبني على الوضوح و على تقدير المصالح المشتركة التي تستحضر بشكل عرضاني تحديات التوازنات الاقتصادية و المالية و الاجتماعية ، و التي لا يمكن فصل بعضها عن بعض لربح كل الرهانات و التحديات المستقبلية كما أن خيار الدولة الاجتماعية الذي ناد به النموذج التنموي الجديد، و تعتبره الدولة خيطا ناظما للسياسات العمومية المبنية على مبدء الديمقراطية التشاركية ، يبدو أنه أخلف الموعد في تحضيرات هذا المشروع القانون من خلال تعطيله للمنهجية التشاركية كقرار دستوري و ليس قرارا تدبيريا ، و هذا عيب أخر ينضاف للعيوب السالفة الذكر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى