وضعية حقوق الإنسان في الجزائر تمر بإحدى أسوأ فتراتها (ندوة بالبرلمان الأوروبي)
بروكسيل (ومع) – أكد المتدخلون خلال جلسة استماع عمومية عقدت، الثلاثاء في البرلمان الأوروبي ببروكسيل، حول موضوع “وضعية حقوق الإنسان بالجزائر في إطار الشراكة المتجددة مع الجوار الجنوبي”، أن وضعية حقوق الإنسان في هذا البلد تمر بإحدى أسوأ فتراتها بسبب إصرار الدولة على مواصلة تقييد الحريات وقمع جميع الأصوات المعارضة.
وأوضح المتدخلون خلال هذه الجلسة التي عقدت بشراكة مع وفد العلاقات مع البلدان المغاربية في البرلمان الأوروبي، أن الفاعلين المدنيين والنشطاء الحقوقيين الجزائريين أضحوا، أكثر من أي وقت مضى، عرضة لجميع أشكال التضييق والتعسف من قبل السلطة، التي لا تتوانى عن الزج بهم في السجون وحل هيئاتهم من دون أي سند قانوني.
وفي مداخلة لها، قالت داليا غانم، الخبيرة في القضايا الجزائرية، إن السلطة في الجزائر تسعى جاهدة إلى تضييق الخناق على عدد من هيئات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك من خلال تسخير آليات تبدو مشروعة بهدف الحد من تأثيرها، وكمثال على ذلك فإن الدولة استغلت ظرفية انتشار وباء كورونا من أجل تطبيق إجراءات قسرية هدفها التحكم في المجتمع المدني وإخضاعه.
وأشارت غانم إلى أن المعارضة الموجودة في الجزائر هي معارضة شكلية، تفتقد للقدرة على التحرك بحرية، ما دامت مقيدة، وتخضع للمراقبة على نحو دائم، لافتة إلى أن الرئيس الحالي كان قد أبدى عند توليه زمام الحكم رغبة في الحوار البناء مع أقطاب المعارضة، لكنه ما لبث أن غير سياسته في اتجاه التضييق وعدم التسامح مع الأصوات المعارضة، وهكذا فإنه يوجد -بحسب مصادر محلية- نحو 300 شخص معتقلا في السجون الجزائرية على خلفية آرائهم السياسية.
من جهته، قال سعيد صالحي، المناضل الحقوقي، ونائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي تم حلها بقرار قضائي، إن وضعية حقوق الإنسان في الجزائر تدهورت على نحو كبير منذ العام 2019، ما يتجلى من خلال مظاهر القمع، التي تعاني منها حركة الاحتجاج السلمي المناصرة للديمقراطية “الحراك”، وأفضى بالتالي إلى إغلاق الفضاء المدني، وتراجع الحريات، وتشديد الإطار القانوني والتطبيع مع توظيف الاتهامات ذات الصلة بالإرهاب ضد كل صوت معارض.
وبحسب صالحي، فقد تم خلال السنوات الأخيرة اعتماد مجموعة من النصوص القانونية بهدف تجريم كل عمل سياسي ومدني حر ومستقل، محيلا في هذا الإطار على التعديل الذي خضعت له مؤخرا المادة 87 مكررة من قانون العقوبات المتعلق بالإرهاب، والتي جاءت لتعزيز سياسة القمع المكثف، بما أن التجمعات السلمية أضحت ممنوعة منذ مارس 2021 وأصبحت مسيرات الحراك تعد بمثابة أعمال إجرامية.
وأضاف “هناك تراجع فادح في الحريات بالجزائر، الأحزاب السياسية المعارضة والجمعيات تتعرض للتضييق والقمع، كما تتم شيطنتها وحظرها ومتابعتها في القضاء أو حتى حلها بالرغم من نشاطها القانوني (…) النقابات المستقلة هي الأخرى لم تفلت من هذا النهج، حيث يجري قمعها واستثناؤها على نحو دائم من الحوار الاجتماعي”.
وفي هذا السياق، دعا صالحي الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة الشراكة التي تجمعه بالجزائر بناء على الالتزام الصارم باحترام حقوق الإنسان، وصيانة المكتسبات الديمقراطية، مؤكدا على ضرورة قيام التكتل الأوروبي بحث الجانب الجزائري على وقف الممارسات المقيدة للحرية ووضع حد لتجريم الحق في الاجتماع والتظاهر السلمي.
من جانبه، أكد النائب البرلماني الأوروبي، الهولندي بيتر فان دالن، أن جميع المؤشرات تظهر أن وضعية حقوق الإنسان في الجزائر عرفت تراجعا نوعيا، خلال السنوات الأخيرة، فالدولة لا زالت تعتبر بعض الجمعيات والهيئات الحقوقية بمثابة خطر عليها وعلى مؤسساتها.
وأشار فان دالن من جهة أخرى، إلى أن ممارسة الحرية الدينية تعاني هي الأخرى من التضييق الممنهج للدولة، فالعديد من الكنائس ودور العبادة المسيحية تظل مغلقة الأبواب بقرار من السلطات، فضلا عن وجود العديد من الزعماء الدينيين رهن الاعتقال بسبب آرائهم المعارضة للنظام الجزائري، قائلا في هذا الصدد “يتعين لزاما التحرك نصرة لحقوق الإنسان، وفي حال الوقوف عند أي خرق لهذه الحقوق ينبغي إذن وقف المساعدات المالية التي تمنح لهذه الدولة”.
بدوره، اعتبر النائب الأوروبي الإسباني، جوردي سولي، أن وضعية حقوق الإنسان في الجزائر أضحت مقلقة أكثر من أي وقت مضى، فليس هناك سوى تغييرات سطحية وشكلية للنظام السياسي والدستوري على خلفية الحراك الديمقراطي الذي تشهده البلاد، قائلا “لم ينعكس ذلك إيجابا على الحريات، لكن على العكس من ذلك، لم نعد نسجل أي تقدم ملموس”.
وأوضح سولي أن المثال الأكثر دلالة على تدهور الوضعية الحقوقية في هذا البلد هو حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك بناء على تهم واهية أهمها التنسيق مع هيئات حقوقية معادية للجزائر أو الانخراط في أنشطة مشبوهة.