المعطي ..”.باركا من البراكة “
سماء غائمة، سحب رمادية وسوداء، طيور النورس تحلق على علو منخفض، وأخرى على علو مرتفع، أصواتها كنقيق الضفاضع، في ليلة مظلمة، عيون كثيرة تتطلع إلى السماء هنا وهناك وعبر ربوع الوطن دعوات ومكالمات هاتفية (مدرا كائن شي شتى …اه اوا الله يرحمنا ).
الادان على ما يبث عبر الأثير، وأخرى تنتظر نشرة الظهيرة… نشرات إنذارية جاءت قبل الأوان … برق ورعد رعد ثم برق.. الجدة تقرأ اللطيف تحت سقف قصديري وتكثر من الصلاة على النبي .. فيما المعطي “يرقع البراكة “، وتمتزج عواطفه بين أمل في مطر غزير يسقي البهيمة، والبشر، والشجر، وخوف من أمطار تغرق البراكة وتفضح المستور، فيما أنجز من أكثر من مشروع… علامات جو ممطر وأمطار غزيرة وتحذيرات من هنا وهناك. هزيم الرعد ولمعان البقر في تزايد تلتهما أمطار غزيرة، وابل من البرد، والقطرات الكبيرة الحجم لتحرك جبروت السيول في الهضاب وبين الجبال، وتبعث الأمل في النفوس، وتعيق حركة السير في الشوارع والازقة والطريق السيار القريب من براكة المعطي… المعطي شحنة عواطف وانفعالات وحكايات عن عام الجوع والحرب العالمية الثانية.. المعطي كثلة عظمية تتحرك وسط جلباب عسكري بال، يعمل بكل ما بقي له من جهد في تثبيت أجزاء كوخه، ودفع ما تسرب من الماء الى بهو البراكة كأنه في مهمة كلفه بها رئيسه زمن الحرب.. حرب أخرى قال في نفسه… صديق المعطي ليس له ما يساعد به صديقه في الدرب والجلسة المطلة على الاوطوروت وعدوه اللذوذ في لعبة ضامة سوى الوقوف والتأمل في حركات المعطي العفوية وما يتلفظ به من كلمات فرنسية ركيكة وبصقات تبعد كل من اقترب… فجاءت عبارة باردة ككأس شاي بائت :
-وا المعطي واصبر الخير معها …
فرد المعطي بصوته المعهود ممزوج بحشرجة خشنة :
المبارك يطلبها و”صكع” تطيح عليه… قالها والألم يعتصر قلبه.. وسؤال عريض يوجهه المسؤولين :
– متى تنتهي هذه المعاناة التي يعيشها سكان مدن الصفيح صيفا وشتاء؟ متى يأتي الفرج ويتم القضاء على آخر براكة… وننعم بسكن لائق ولو يوم واحد ؟
“باركا من البراكة ”
بغيت سكينة يوم واحد وتجي الموت… هذا هو حلم المعطي!!!!