“دابا بريس” تنبش في ماضي الحي المحمدي، تستحضر أسماء وأمكنة في زمن جميل، ولى… حلقات، تقدمها “جابا بريس” بعبق التاريخ، واستحضار لحظات هاربة بحنين بفرح وألم الحي المحمدي.
الحي المحمدي !! كل شيء في الحي المحمدي..التاريخ… الفن الرياضة… والبساطة… بكل تجلياتها..
———————————————-
بقلم: محمد فايح
(فتحت جوج قواس قوس يديك لسينيما شريف وقوس يديك لدرب مولاي شريف، أما السعادة بقات لفوق في الراس حدا كريان ولد هرس لا حدا دار ولاد الشهداء.. ). يتماهى هدا المقطع للزجال محمد عزيز بن سعد مع ما يجول من خواطر في راس ولد الحي، فتتزاحم الدموع والحنين إلى زمن مضى وشلا معاني.. شلا معاني و فين الكلمة لي تقولها تقف في راس العقبة، ينتابك إحساس غريب بوجودك في الحي المحمدي له طعم خاص تحس بشيء ما ينغل في ذاكرتك، يحيي في نفسك حاجة إلى من يحكي لك عن لحظات هاربة,
تستعيد، من خلالها ملامح أمكنة وفضاءات مفتقدة تأسرك بعشقها. هذه المرة فضلت لم شتات أجزاء صورة تلو أخرى، فاخترت الوجهة سنيما السعادة مرورا بفضاءات كثيرة، وأنت ترى احتلالا للشارع العريض أمام القيسارية، الأزبال تؤثث جنباته فضلت المرور بين الخيام التي انتصبت بين الكاريان والباطيمات تحس بثثاقل في خطاك دون أن تدري ما السبب.. تثير انتباهك بناية مستطيلة بطلاء أبيض تقاوم القذارة إنه المرحاض العمومي، باب النساء موصدة توقف عن خدماته منذ مدة أما الباب الخلفي فخاص بالرجال، لازالت دورة المياه به تشتغل ويقدم خدماته للباعة الذين بدورهم احتلوا الهبطة ديال الطاس… تحجب عنك الخيام والمعروضات بأعرق كريان بالحي المحمدي كريان الرحبة، يستوقفك كتاب المجد بطلائه الأحمر كلون الطين ..
تبحث ببصرك عن بائع الكتب المستعملة فيبدو بجلسته المعهودة، وهو يدخن كرسي يجعله يرقب الكتب عن بعد عناوين كثيرة، أوراق العروي وصلاح عبد الصبور ومحود درويش كتاب الفلسفة للجابري والعمري والسطاتي والمباءة للتازي ومجلات كأقلام المغربية ولماليف …. تتساءل لماذا يكبر هؤلاء قبل الأوان وهل يعرفون أن لهم في ذاكرة الكثيرين مكانا هاما وحبا زائدا؟ تستهويك هذه الوقفة تحت أشعة الشمس التي تنعش الجسد والذاكرة، يمرون بعد تلقي تحاياهم يعتقدون أنك تستريح فيما أنت مستسلم في هذا المكان للذاكرة، تحت رحمة نزلة برد حادة … ..تنتصب أمامك صورة با بوجمعة مول الصوصيت، الذي لم تفارقه لذته المعهودة فتصمم أن تتناول من يدي ابنه كاسكروط برائحته، التي تخترق مسام جسدك، ليأتي من يؤكد لك أن عائلات من المهجر تحافظ على على تقاليد الحي لمحمدي.
لازالت تطلب ريحة لبلاد في صوصيط بوجمعة في أرض الغربة.
فلن تنسى لك جميلك كلما حققت لها أمنية التلذذ بمركاز با بوجمعة، فمن لا يتذكر هذا الرجل والده با ناصر رحمه الله، الذي يطرد جوعكم في كل الأوقات بلذة لاتضاهيها لذة الماركات العالمية هو و “بيقلات” با صالح في كريان الخبازة، فكان على من أراد أن يستمتع بفرجة الشاشة الكبرى في السعادة، أو سنيما شريف لا بد أن يمر على با صالح أو صوصيط با بوجمعة، وزريعة سي عبد الرحمان، لتكتمل الفرجة أما طون والحرور حتما ينتظرانك في لانطراك في السينيما سعادة’ .
لنطراك بنصف ثمن لمن فاته الفيلم الأول تسترجع الفرحة التي تغمرك كلما تحركت عاطفة المسؤول، فيسمح لك بمشاهدة الفيلم مع ولاد الدرب أو العباسية…
السنيما سعادة إلى جانب شريف وروكسي وبوليو متنفس شباب ولاد الحي، ماتفاكش مع حضك من مشاهدة الهندي والكراطي كل خميس وأحد، وهناك في ذاك المكان تربيت كما قلت على العاطفة والخنوع، إنها فعلة القصص المتاحة في الهندي والكراطي …لم يكن حظك هو حظ من اتيحت لهم فرصة نادي سنيمائي بقاعة بالقرب منهم كما حصل في بوشنتوف وبوليو …..في السعادة أسعدت بأول سيجارة …أمامها اليوم تستعيد سعادتك في تذكر أولى خطوة تعبر بها بوابة هذا المكان العصي على من لا يرى فيه اليوم سوى قاعة مغلقة، تحتضر في صمت تقاوم وتقاوم وتأبى أن ترضخ للنسيان المقيت، لتخبرك أنه هنا القى المهدي بنبركة محاضرته بعد اغتيال فرحت حشاد بثلاثة أيام، وقيادات حزبية أخرى كعمر بنجلون وعبد الرحمان اليوسفي… دموع العشق الأبدي والحسرة تتحداك، فتعكس بريقا من وراء النظارات الزجاجية لا تكفي لتندب حظ معلمة راسخة في الذاكرة والمكان، فتتذكر من كانا يمتلكانها ويديرانها الفرنسي والجزائري…
فلاتستحضر اسمهما بعد أن شيدت في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي على عقار أحد كبار الملاكين بالدار البيضاء العيدي بليماني.. تحتفظ بأسماء كثيرة مرت من هذا الفضاء الذي لازال في ملك الضومين، ومن منكم لا يتذكر الحجوجي والبهجة والضاوي وخوخا وبابا أحمد، تستحضر صوت فريد الاطرش قبل بداية الفيلم وأغنية فايزة أحمد انت وبس لحبيبي
…السنيما سعادة شكلت إلى جانب سبيطار السعادة ودار الشباب ومدرسة عمر بن الخطاب، ودار الشهداء مجمعا للثقافة والفن والرياضة والعلاج والخدمات الإنسانية تحرق المسافات الطويلة في الزمن.