أتردد على مدينة ابن جرير “عاصمة ” اقليم الرحامنة بين الفينة والأخرى ،وفي كل مرة أزورها أشعر بقلق كبير لحالها وأحوالها، وأقول مخاطبا نفسي “لاتتسرع في إطلاق الأحكام فمن المؤكد أن المرة المقبلة التي ستعود إليها ستجد الأمور قد تحسنت “.
لكن للأسف الشديد وبكل مرارة فإن أوضاعها لم تتغير بل ساءت أحوال المدينة كثيرا، المدينة التي قيل عنها الكثير ونسجت عنها الأساطير حول التنمية والإقلاع الإقتصادي، المدينة التي قيل عنها إنها محظوظة لعدة عوامل لايتسع المجال هنا للخوض فيها .
هي مدينة مقسمة الى شطرين لاعلاقة تربط الشطرين فيما بينهما ،مدينة تسير بإيقاعين مختلفين، المدينة الخضراء المحسوبة على هولدينغ الفوسفاط وفيها الحدود الدنيا للحياة ،وشطر آخر يعيش البؤس والتهميش والإهمال وكل ماتريد من معاني القبح .
بكل موضوعية ودون أي تجني على أحد، مدينة ابن جرير حالها يدمي القلوب ،هي أقرب إلى الدوار منها إلى المدينة،ظلام، عربات مجرورة بدواب في كل الإتجاهات،حفر واضحة ،أرصفة تعلوها الأثربة ،أزقة بدون تزفيت لاتستحق ان تكون كذل ، واد يحيط بالمدينة تجد فيه كل “ماتشتهيه النفس “من الروائح الكريهة والأزبال،مخدرات،شباب بدون عمل، فقر وبطالة ،أحياء مهمشة سميت زورا أحياء وفيها كل شيء إلا الحد الأدنى من الكرامة وشروط الحياة البسيطة ،مدينة يعلوها الغبار في كل مكان ومجرد أن تتحرك رياح بسيطة جدا لايمكنك أن ترى أحدًا ،بإختصار هي مدينة إذا قارنتها بمدن صغيرة جدا جدا يبدو لك الفرق شاسعا !!
مدينة تزخر بموارد مالية وإقتصادية كبيرة وبموارد بشرية كفأة ،مدينة فوسفاطية ،لكنها اليوم تلبس السواد وتندب حظها البئيس ،شخصيا حاولت أن أجد تفسيرا عقلانيا وموضوعيا لأوضاع هذه المدينة وأحوالها لكنني عجزت عن ذلك.
ليبقى السؤال المؤرق هو :من يدفع هذه المدينة لتعيش هكذا أوضاع ؟
لايمكن تغطية الشمس بالغربال فالواقع العنيد ينطق بكل شيء ولايمكن مطلقا تجميل القبيح ،والمبدئية والغيرة على المدينة تقتضي أن نتحلى بالشجاعة الأدبية و نسمي الأشياء بمسمياتها دون لف ولا دوران .
إنه واقع يفرض على كل الديمقراطيين والصحافيين ونخب المدينة والإرادات الصادقة وكل الغيورين على مستقبل هذه المدينة أن ينتفضوا ضد واقع الإهمال والتهميش والحيف الذي يمارس على أهل وساكنتها الجميلة ،وأتمنى وصادقا أن ينتفض أيضا المسؤولون كل من موقعه لإنقاذها قبل فوات الآوان.