في هذا الحوار السياسي، مع منير بن صالح، فاعل حقوقي و سياسي، ومؤسس و رئيس سابق لحركة أنفاس الديمقراطية، حديث سياسي في أوضاع سياسية تشهد الكثير من التحولات، وتشهد عمليا حركية مد وجزر، خاصة في ملفات الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، وأيضا في جوانب مرتبطة بأوضاع المغرب على المستوى الجهوي والإقليمي، وعلى الصعيد العالمي، وفيما يلي باكورة هذا الحوار.
أجرى الحوار: أحمد دابا
تعتبر بعض الآراء التعيينات الأخيرة، سواء تلك التي تتعلق بالهاكا أو مجلس المنافسة، أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان وغيرها تحمل أملا في عودة نفس إصلاحي خفت أو تراجع في المغرب، هل تجد نفسك في هذا الرأي؟
يبدو جليا أنه هناك إرادة قوية للدولة من أجل استعادة المبادرة في شتى المجالات. هذه الإرادة ترجمتها الخطب الملكية بخصوص ضرورة الانخراط في إصلاحات مهيكلة على المستويات الاجتماعية و الاقتصادية و الحقوقية و السياسية. ليس هناك من شك أن المغرب، منذ انتخابات 2016 يعيش على وقع تخبط و هوة كبيرة بين انتظارات المواطنات و المواطنين و بين الممارسة السياسية. يبدو أن المواطن المغربي لا يحس أن له صوت يدافع عنه، بغض النظر عن الانتخابات، في القضايا الأساسية التي تهمه.
تجديد هياكل المؤسسات الدستورية للحكامة من مجلس اقتصادي و اجتماعي و بيئي و مجلس المنافسة و المجلس الأعلى للسمعي البصري و المجلس الوطني لحقوق الإنسان و المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان تترجم كما أسلفت ارادة للدولة من أجل استعادة المبادرة. و يبدو أن هناك خطوات أخرى قيد الدرس تبتغي نفس الهدف.
السؤال الأول الذي يطرح نفسه مجددا هو مدى قدرة اشتغال هذه المؤسسات داخل الهندسة الدستورية المغربية، و قدرة الفاعل الحكومي و البرلماني على التفاعل مع المستجدات و الأسئلة الاجتماعية و الاقتصادية و الحقوقية و السياسية الحارقة التي يطرحها الشعب المغربي.
السؤال الثاني الذي ينبغي الانتباه إليه هو أن المغرب يحتاج اليوم لعقد اجتماعي جديد على الجميع الانكباب على اعطاء تصورات بشأنه و ليس فقط إعادة النظر في النموذج التنموي.
على أي، من وجهة نظري، لا يمكن إلا أن نكون مسرورين لعودة النفس الإصلاحي المؤسساتي عبر تجديد هياكل مؤسسات و بدأ اشتغال أخرى، و هذا كان مطلبا شعبيا. و يبدو أن الإجابة عن السؤال الثاني بدأت تتضح معالم الإجابة عنها في تجديد مؤسسات الحكامة في مجال الحقوق و الحريات بالموازاة مع المؤسسات التي تعنى بالشؤون الاجتماعية و الاقتصادية.
تستند بعض القراءات للوضع السياسي الراهن في قراءتها للجمود الذي تعرفها الحياة السياسية في المغرب لضعف الأحزاب والنقابات وهامشية المشهد السياسي عموما مقارنة بالحقل السياسي الذي يعرف حركية قوية تخوضها الحركات الاجتماعية وفاعلين اجتماعيين جدد، ما هو تقديرك للوضع؟
يجب وضع القراءات في إطار السياق العام وطنيا و دوليا. لقد أنتجت السياسات النيولبرالية و ضعف الإيديولوجيات، و ارتفاع الوعي السياسي لدى الشعوب عبر توفر المعلومات آنيا (عبر شبكات التواصل الاجتماعي) إلى خلق هوة كبيرة بين الشعب من جهة و بين النخب. المغرب ليس استثناءا من هذا التشخيص و قد رأينا في السنتين الأخيرتين بروز حركيات اجتماعية (حركات اجتماعية محلية في الريف و زاكورة و جرادة و غيرها من المناطق، حركة مقاطعة بعض المنتوجات و السلع، …) خارج النسقيات المعتادة و بفاعلين جدد غير مؤدلجين، خلخلت البناء المؤسساتي و المسار الهش للانتقال الديمقراطي.
المفارقة القوية في هذا الصدد هو أنه كلما اتسع هامش الحريات و تقوت مساهمة الفاعل الحزبي و النقابي في القرار السياسي العام، كلما ضعف دور مؤسسات الوساطة الاجتماعية (أحزاب و نقابات و جمعيات …) و كلما اتسعت الهوة بين النخب و عامة الشعب.
المفارقة الثانية تكمن في “خطاب الأزمة” الذي أصبح متلازمة حقيقية في التحليل سواء النخبوي أو حتى عند العامة، لكنك عندما تبحث عن المؤشرات تجدها لا تعبر عن هذا القلق المتزايد أو عن هذه الأزمة المفترضة. لكنه من الأكيد أن النخب و مؤسسات الوساطة يطرح عليهم تقديم نقذ ذاتي و أن يعودوا للشعب من أجل تأكيد شرعيتهم و التعامل مع المطالب الحقيقية للطبقات المستضعفة و الإجابة عنها.
المغرب في جنيف في سياق مختلف وفي ظل ضغوطات جديدة خاصة تلك التي تقودها أمريكا لإنهاء الجمود، وفي سياق مبادرة سياسية مغربية تجاه الجزائر، وفي سياق جواب ضمني لجزائر عل مبادرة المغرب، هل ترون أملا في تململ لصالح أفق حل لقضية الصحراء؟