هدى سحلي: من المؤتمر إلى المكتب التنفيذي…مياه تحت جسر الكدش
كل شيء هناك كان ينذر بنقاش استثنائي، أسطول السيارات المركونة بالخارج، وأصحاب القبعات الصفراء، المنتشرين في كل الأرجاء، وعشرات الضيوف الأجانب والمغاربة، توافدوا على المركب الدولي للشباب ببوزنيقة، عشية الجمعة 23 نونبر الماضي، لافتتاح أشغال المؤتمر الوطني السادس للكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
أزيد من 1200 مؤتمر كونفدرالي، حلوا هنا للتقرير في مصير منظمة نقابية راكمت 40 سنة من التجربة النضالية، بعد أن فرض قانون الطبيعة، طي صفحة زعيمها نوبير الأموي، واختيار قائد جديد جدير بهذا الإرث.
إرث كفيل بأن يخلق كثيرا من مشاعر التوجس والقلق حول القيادة الجديدة، لكن الجو الاحتفالي البادي هنا على وجوه الكونفدراليين، لا يشعر الملاحظ بثقل المسؤولية، ما عدا بعض الكونفدراليين، وأغلبهم شباب، الذين بدت علامات اللارضى واضحة في حركاتهم.
ذاك أن الجواب معروف من قبل لدى كل متتبع للتحضيرات القبلية للمؤتمر، لسان حالهم يقول: القائد الوريث جاهز.
افتتاح ثوري
قبل انعقاد الجلسة الافتتاحية بلحظات، ظهر رجال بسترة صفراء كتب عليها ’’اللجنة التنظيمية‘‘ يبدو أنهم اختيروا بعناية شديدة، ذووا بنية قوية ضخمة، تحسبا لأي مشكل قد يفسد ’’العرس الكونفدرالي‘‘، يصفقون وأصواتهم عالية تدعو المجموعات البشرية المنتشرة في الساحة، للالتحاق بالقاعة المعدة لاستقبال هذا الحشد.
’’بنجاح الجلسة الافتتاحية، ينجح المؤتمر‘‘، هذا ما ردده أعضاؤه، وهم منتشين بالخطاب ’’الثوري‘‘، الذي ألقاه علال بلعربي باسم أعضاء المكتب التنفيذي، والذي كال فيه انتقادات قوية للدولة ومؤسساتها، بدءا برئيس الدولة والأخطاء التي ارتكبها النظام السياسي في تدبير ملف القضية الوطنية، إلى الفشل الحكومي في التعاطي مع الأزمة الاجتماعية وتعطيل الحوار الاجتماعي، ليخلص إلى الدعوة إلى ’’إحداث تغيير شامل في هياكل الدولة وتحديث بنياتها، والارتقاء بالمجتمع والفرد، والذي يتطلب بالضرورة إصلاحات سياسية ودستورية في الجوهر في اتجاه دمقرطة النظام السياسي‘‘.
لكن الدعوة إلى التغيير الشامل لهياكل الدولة، لم تجد طريقها إلى هياكل النقابة، كما ستثبت ذلك مجريات المؤتمر بدعوى ’’المؤتمر سيد نفسه‘‘.
الأموي يعود في جلباب زاير
قانون الطبيعة نفسه، الذي فرض على الأموي، الذي بلغ عقده التاسع التنحي عن قيادة ال’’كدش‘‘، سمح للسبعيني عبد القادر زاير مدعوما بتياره داخل المؤتمر(إن صح التعبير) بالظفر بقيادة النقابة خلفا لرفيق دربه، بالرغم من المخططات و’’الكولسة الباهتة‘‘ التي قادها أعضاء من المكتب التنفيذي السابق والمكونات السياسية المنتمية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، على رأسها المؤتمر الوطني الاتحادي، من أجل الإطاحة بالزاير، عبر اتفاق مسبق يقضي بانتخاب الكاتب العام من داخل جهاز المجلس الوطني عوض المؤتمر، وهو الاتفاق الذي انقلب عليه زاير خلال الجلسة العامة التي تلت أشغال اللجان، حين قال ’’أنا لا أعرف لماذا يريدون انتخاب الكاتب العام من المجلس الوطني، هم يريدون إضعافي‘‘.
انقلاب على الاتفاق، كاد يعصف بالمؤتمر، وكسّر سلاسته، بعد انقسام المؤتمر إلى قسمين، بين متشبث بانتخاب الكاتب العام من المؤتمر، ومدافعين عن تأجيل العملية إلى حين انعقاد المجلس الوطني، لكن الغلبة كانت لتيار الزاير، الذي لم يسمح إلا بصعوبة بالغة لعلال بلعربي بتقديم كلمة توجيهية، أعلن فيها أنه ’’لم يكن هناك خلاف على ترشيح زاير كاتبا عاما، والمؤتمر سيد نفسه‘‘.
المؤتمر سيد نفسه… ولكن
انتهى المؤتمر إذن بسيادة إرادة المؤتمرين على حساب التوافقات، وأعلن عبد القادر زاير كاتبا عاما للكونفدرالية، بأغلبية ساحقة، وفي احترام للديمقراطية.
لكن بالنظر إلى نقابة، جعلت من أولوياتها النضال من أجل تثبيت الديمقراطية بالمغرب، وزاوجت بين نضالها العمالي والسياسي، وتدعو إلى التغيير الشامل لهياكل الدولة، ألم يكن ممكنا أن تجعل من مؤتمرها الوطني السادس، تمرينا حقيقيا للممارسة الديمقراطية، وأن يعلن أعضاؤها تمردا بنّاء على الشرعية التاريخية، والتخلص من تبعات ’’السلطة الأبوية‘‘.
لهذا نجحت الكونفدرالية في اختبار ’’الديمقراطية العددية‘‘ لكنها فشلت مرة أخرى في أن تتمثل شعاراتها، وأن تثور على ’’هياكلها العجوز‘‘ كما لم تنتصر لدعوات التشبيب داخلها.
والسبب في ذلك بسيط، هو أن التنظيمات المغربية عموما، وخاصة اليسارية، لم تتمكن بالرغم من نضالها الطويل للتأسيس للديمقراطية، من تملك الديمقراطية كثقافة ينعكس على سلوكها، ولم يستوعب الكاتب العام الجديد لـ’’السيديتي‘‘ أن الديمقراطية ليست ’’ثوبا جاهزا‘‘ يفصله القائد المفكر لتلبسه القواعد، وأن الثقافة الديمقراطية تنمو بشكل تدريجي بالفكر والتجربة والتطبيق والمقارنة مع تجارب أخرى، وهو الذي قال في آخر جامعة شبابية نظمتها الكونفدرالية بمدينة أصيلة إن ’’الديمقراطية تحتاج إلى تضحيات كبيرة، وإلى ديمقراطيين حقيقيين، من حيث المبدأ والممارسة اليومية في جميع مناحي الحياة، بدءا من السلوك داخل الأسرة… لذلك يجب علينا مراجعة سلوكنا اليومي والسياسي، الذي يجب أن يكون منسجما، كما في الأسرة، كما مع الذات، وليس ’’سبع في الدار وأرنب في الخارج‘‘. فلماذا إذن لم يقدم الزاير نفسه هذا الدرس الديمقراطي، عبر التنحي لفسح المجال للشباب، لإثباث قدراته القيادية والحفاظ على إرث الأربعين سنة من النضال، بدل أن يخرج في حوار صحفي بعد انتخابه كاتبا عاما بالقول ’’إن الشباب في القلب‘‘.
ولأن الشباب في ’’القلب‘‘ وليس في ’’القالب‘‘ يحق للدولة التي ينتقدها الديمقراطيون أن تنعتهم بالخمول وتدعوهم ’’للتشبيب‘‘ حتى تبدو أكثر تقدما من تقدميتهم وأكثر ديمقراطية من ديمقراطيتهم.
المكتب التنفيذي…ولادة عسيرة
تداعيات المؤتمر الوطني السادس، وما اعتراه من خلافات حول مسطرة انتخاب الكاتب العام، وانسحاب أعضاء من رئاسة المؤتمر، سرعان ما خيمت بكل ثقلها على أشغال المجلس الوطني بدورتيه الاولى والثانية، والتي كانت مخصصة لتحديد برنامج عمل الكونفدرالية واستكمال انتخاب الجهاز التنفيذي.
فبعد فشل عبد القادر زاير، الكاتب العام للكنفدرالية الديمقراطية للشغل، في الحصول على الموافقة على لائحة المكتب التنفيذي التي اقترحها على المجلس الوطني الملتئم في دورة أولى بالمقر المركزي للنقابة بالبيضاء، والتي ضمت 35 اسما، تمكن في الدورة الثانية للمجلس الوطني، من تشكيل المكتب التنفيذي من 30 عضوا، مع إقصاء عدة وجوه من المكتب التنفيذي السابق، أبرزهم عبد الغني الراقي، علال بلعربي، وعبد اللطيف قيلش، هذين الأخيرين، الذين كانا قد انسحبا من رئاسة المؤتمر، بعد خلاف في مسطرة انتخاب الكاتب العام من داخل المؤتمر، وتهريبه إلى المجلس الوطني، في محاولة لسحب البساط من عبد القادر زاير، بالإضافة إلى ثريا لحرش، البرلمانية باسم مجموعة الكنفدرالية، والتي أقصيت من اللائحة، بعد أن طفت إلى السطح خلافات بينها وبين الكاتب العام بلغت حد إبعادها من رئاسة فريق المستشارين بالقبة الثانية للبرلمان.
كما لم تشمل تشكيلة المكتب التنفيذي الجديد، أي تمثيلية لقطاع السككيين، وهم أبرز المدافعين عن انتخاب عبد القادر زاير من داخل المؤتمر الوطني، ما خلق إحباطا في صفوف السككيين، الذين لم يمثل داخل الجهاز التنفيذي منذ أول مؤتمر وطني للكونفدرالية بعد المؤتمر التأسيسي سنة 1978 حيث كان القطاع ممثلا بعضوين، داخل الجهاز التنفيذي، في حين تمثلت باقي القطاعات بعضو في أقل تقدير و تلاثة أعضاء في أقصاه.
وفي حين تعذر تشكيل الجهاز التنفيذي في الدورة الأولى للمجلس الوطني، تمكن اليوم من تشكيله في ظرف عشرة دقائق فقط من انطلاق الأشغال، وهو الأمر الذي جعل الكثير بالرغم من رضاهم على تشكيلة المكتب، لا يخفون التوافقات التي جرت طيلة المدة بين انتهاء أشغال المجلس الوطني وتشكيل الجهاز التنفيذي، فسادت الإرادة في الأول وسادت التوافقات في الثاني.
رأي: هدى سحلي