الرئسيةثقافة وفنوندابا tv

حاوره الناقد السينمائي محمد بكريم….هشام العسري في حديث عن فيلمه “هم الكلاب” حكاية مواساة + فيديو

(يستضيف النادي السينمائي نورالدين الصايل – اكادير في اطار برنامج “ويكاند مع…سينمائي” المخرج هشام لعسري. وذلك أيام 28 و 29 جوان. هنا دردشة معه حول فيلمه الطويل هم الكلاب انتاج عام 2013).

حاوره محمد بكريم

– حدثنا عن نقطة بداية للمشروع الذي أصبح فيلم “هم الكلاب”؟ العنوان في حد ذاته يحيل الى مرجعيات متعددة ومتنوعة. مثلا إحالة الى أغنية شهيرة للفنان المتمرد ليو فيري؟ ام أن القصة احالة الى العطب المعلوماتي المعروف ب خطأ رقم: 404؟ أواسترجاع لجزء من الذاكرة المنسية كتاريخ 20 يونيو؟ أم مقاربة سينمائية لحركة 20 فبراير؟ أو ببساطة مباشرة اختراق سينمائي لجنس تلفزيوني الروبورطاج الإخباري؟

كانت الفكرة الأساسية دائمًا هي العودة الى طفولتي، او بعبارة أخرى سنوات الثمانينيات المغربية في محاولة لنسج خيال حول حدث تاريخي لم أعشه شخصيا، أحداث جوان 1981 والذي وسم طفولتي وأثر في ذاكرتي من خلال هذا الصمت المطبق حول الأشخاص “المختفون”. ومع مرور الوقت، بدأت خيوط رفيعة تتشابك بين 20 يونيو 1981 و20 فبراير 2011. أردت صنع فيلم يخرجني من عاداتي وردود فعلي. الفيلم الثاني صعب للغاية أن “تحلم” به، “تكتبه” و”تتحمله”. أردت أن أفاجئ نفسي، وفيلم زائف عن الحاضر كان فكرة جيدة لتجسيد “نهاية” العالم بطريقة مختلفة.

وطبعا هناك انعكاسات فنية وجمالية لهذا التوجه . بالنسبة لي، كان الأمر يتعلق أكثر أيضا بمساءلة تقنيات معينة. بين فيلمي الأول والثاني، تعلمت عددًا من الأشياء، وأولها أن القواعد وضعت للأشخاص الذين يفتقرون إلى الخيال ومن هناك، أردت صنع فيلم تكون كتابته، إلهامه، وتنفيذه “عدوانًا” على هذا الجيل الجديد الذي يفكر فقط في “التقنية” خلطًا بين مفهوم “التواصل” و”المونتاج” و”التحرير” و”السرد القصصي”.


لكن الأهم بالنسبة لي كان الاستمتاع بشكل كبير بصنع فيلم “تواصلي” منفصل عن كل ماهو تعليمي، بعيدا عن اية أيديولوجية أومقاربة ديماغوجية، وفي آخر المطاف أثمر ذلك فيلما يتناول موضوعًا سياسيًا حساسا بل متفجرًا وبطاقة يأس ساخرة وشرسة…

 مشاهد الافتتاح في أفلامك عبارة عن بيان موجه لأفق التلقي . “هم الكلاب” يبدأ باشتغال ذكي على شريط الصوت. يبدأ بضجيج كأنه عطب تقني. ثم يحضر مكبر الصوت (ميكافون) ولكن سرعان ما تحضر الكاميرا لتستحود على السلطة السردية بشكل نهائي وبليغ الى درجة أنها تتعرض لمحاولة انقلاب فاشلة (مشهد سرقتها من سيارة الفريق التلفزيوني)؟


أنت تعلم مركزية الكتابة في حياتي. وحتى لو كان عملي كله يمر عبر الكتابة، لا أعتبر نفسي رجل كلمات، بل رجل صور وأحاسيس. في كل مرة أطور فيها مشروعًا سينمائيًا، أشعر بحذر كبير من الكلمات، الحوارات، وبعض الأنماط السردية التلقائية. أحاول دائمًا خلق علاقة جدلية بين القصة، الصور، و”الحوارات النادرة” في أفلامي قبل “هم الكلاب”. أنا عاشق لبستر كيتون وجون مكتييرنان، مهندسي الحركة والمكان. الأصوات، الحوارات تعيدنا إلى التفاهة في التبادل. ولكن من خلال “إهم الكلاب”، اختبرت الحوارات كعناصر تنفس، كنسيج صوتي موسيقي، كفواصل في تطور القصة. استخدام فلاشات الأخبارعبر وسيط آخر (الراديو التلفزيون) يساهم في هذا الخط الثاني من التوتر السردي الذي يعبر الفيلم. هذا الاستخدام يشبه التقنية الأدبية لـ “القص” أو التجميع المدروس لقطع من الأخبار التي تعطي بُعدًا ساخرًا وأحيانًا كوميديًا حول وسائل الإعلام خاصة ابان تغطية ما سمي “الربيع العربي” في المغرب.

– شخصيات متنوعة تشكل شبكة من العلاقات متناقضة ولكنها منسجمة مع السياق العام الفيلمي. ويبقى الفاعل الرئيسي هوهذا الكائن المجهول القادم من صمت الذاكرة والذي يقتحم الحكاية دون سابق انذار. انه “404”، حضوره سيصبح موجها للسرد عبر ميزان قوى يمر عبر ثلاث مراحل هي التي ستؤسس لدينامية الحكاية؛ المرحلة 1: المضايقة من طرف الطاقم الصحافي من أجل استقطابه؛ المرحلة 2: يسود نوع من التوازن يؤدي الى نوع من التعاقد والاتفاق؛ المرحلة 3: علاقة قوى جديدة، يأخذ الفاعل المجهول بزمام الأمور؛ هو الذي يوجه الرؤية؛ ويمكن أن ألخص ذلك بالقول أنه بعد أن كان في خذمة الكاميرا أصبحت الكاميرا في خذمته ؟


منذ البداية، أردت أن أحكي قصة عائد، زومبي، مجنون. بالضرورة، يجذب الانتباه لأنه يبدو أنه قادم من ما وراء القبور، من مكان آخر يفتن وينفر. كان يجب أن تكون الشخصية غامضة وجذابة. وتدريجيًا تبتلع القصة الجميع نحو هذا الخلفية من الثورة حيث يعيش الناس مثل “مورلوكس”، ظلال وطفيليات على مجتمع يبدو أنه يبنى في مكان آخر وبدونهم.

الفيلم هو نزول إلى الجحيم يرفض لعب ورقة السجين السياسي الشهيد والدراما المأساوية لخلق عالم بارد، ما بعد الموت حيث يخضع الناس لـ”تجميد عاطفي”.

في هذا السياق، تصبح الكاميرا أيضًا طفيليًا يتعلق بمصير هذه الشخصية التي هي في نفس الوقت عادية وخيالية. كان يجب أن تعاني الكاميرا بقدر ما تعاني الشخصيات، ومن خلال استغلال “العيوب التقنية: غياب الصوت، إطارات غريبة، خارج الإطار…” هناك أيضًا لعبة تتشكل مع المشاهد. أردت أن تكون الثواني الأولى من الفيلم مزعجة، لأن جميع المشاهدين لديهم شك حول مصدر مشكلة الصوت التي تفتتح الفيلم (هل تأتي من قاعة السينما أومن الفيلم) مثل هذا الشك البسيط حول النوع (خيالي أو وثائقي). كان هذا التشكيك في تموقع المشاهد بالنسبة للفيلم ضروريًا لحكاية قصة سياسية دون تحويلها إلى درس، بيان أو دعوة.

في خلاصة القول، ينتمي الفيلم الى تصنيف الاجناس السردية (في الرواية والسينما) الذي أسسه أومبرتو إيكو: هناك قصص للترفيه وأخرى للمواساة. “هم الكلاب” هو حكاية مواساة. بالنسبة لي مواساة عن طفولتي في الثمانينيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى