في أعقاب زلزال المغرب الذي ضرب البلاد في سبتمبر 2023، توالت التصريحات الرسمية بشأن خطط إعادة الإعمار التي وعدت بها الحكومة المغربية لإعادة بناء المناطق المتضررة, جاء أبرز هذه التصريحات على لسان وزير الميزانية، فوزي لقجع، في حديثه مع وكالة “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ” بتاريخ 13 أكتوبر 2023، حيث أكد لقجع حينها أن الحكومة المغربية ستنتهي من إعادة إعمار كافة المناطق المتضررة بحلول نهاية عام 2024، مشيرًا إلى أن هذه الجهود لن تُثقل كاهل الموازنة العامة، حيث تم تخصيص 120 مليار درهم دون الحاجة إلى تحمل عبئ اضافي.
ورغم مرور ما يقارب العام، عن هذه التصريحات المتفائلة، فإن الأوضاع على الأرض تبدو بعيدة عن تلك التوقعات، مع مرور عام على الكارثة، لا تزال العديد من المناطق تعاني من آثار الدمار، حيث تسود حالة من عدم اليقين بين المتضررين بشأن مستقبلهم في ظل وتيرة بطيئة لأعمال إعادة الإعمار، ويبدو أن الواقع يكشف عن تحديات كبيرة تعيق سير العمل، مما يثير تساؤلات حول جدوى الخطط المعلنة وقدرة الحكومة على الوفاء بوعودها.
أعلنت الحكومة المغربية تخصيص 120 مليار درهم، أي ما يعادل 12 ألف مليار سنتيم، لعملية إعادة الإعمار. وفيما يتعلق بالدعم المباشر للأسر المتضررة، أشار المسؤولون إلى أن 1.2 مليار درهم قد تم توزيعها خلال الـ11 شهرًا التي تلت الزلزال، هذا المبلغ خُصص لدعم حوالي 50 ألف منزل دُمر كليًا أو جزئيًا في مناطق متعددة، إلا أن الإنجازات المحققة على الأرض تظهر أن هذا الدعم لم يكن كافيًا لتحريك عجلة الإعمار بالسرعة المأمولة.
فعلى الرغم من أن الحكومة تعهدت بإعادة بناء هذه المنازل في أسرع وقت ممكن، إلا أن الواقع يشير إلى أن 1000 منزل فقط قد اكتمل بناؤها، وهو رقم يُعد ضئيلًا مقارنة بالاحتياجات الفعلية.
عملية إعادة الإعمار تواجه مجموعة من التحديات التي تعرقل سير العمل على النحو المطلوب ومن أهمها أن البنية التحتية المتضررة أصلا قبل وقوع زلزال، إذ الزلزال ضرب ما يسمى بمناطق المغرب المنسي أو المغرب الغير نافع، و نتج عنه تدمير واسع للبنية التحتية على قلتها في المناطق المتضررة، بما في ذلك الطرق والجسور، مما زاد من صعوبة إيصال المساعدات ومواد البناء إلى المناطق النائية، وخاصة في القرى الجبلية.
زد على ذلك اختلالات على مستوى التمويل والإدارة، فبالرغم أن الحكومة أعلنت تخصيص مبالغ ضخمة لعملية إعادة الإعمار، فإن هناك تساؤلات حول آليات توزيع هذه الأموال، وشفافية إدارة الموارد، وضمان وصولها إلى الأسر المتضررة بشكل فعال، حيث تتطلب عملية إعادة الإعمار تنسيقًا عاليًا بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة و الجمعوية، بالإضافة إلى توفير موارد بشرية وتقنية كبيرة، ومع ذلك، يظهر غياب الفعالية في هذا التنسيق بين الجهات المعنية، مما يؤخر عملية التنفيذ.
-قصص من الواقع: معاناة السكان.
في قرية تينيسكت الواقعة في جبال الأطلس الكبير، لا يزال الكثير من السكان يعيشون في ظروف قاسية، خديجة إد ياسين، وهي أم لثلاثة أطفال، تحكي عن الحياة الصعبة التي يعيشها سكان القرية في الخيام المؤقتة، حيث يواجهون برد الشتاء القاسي وحر الصيف الشديد، وتضيف خديجة: “الزلزال دمر منازلنا ولم نتمكن من العودة إليها بعد، نعيش في هذه الخيام المؤقتة منذ ما يقارب العام، ونحن في انتظار وعود الحكومة بإعادة الإعمار.”
قصص مثل قصة خديجة تعكس جانبًا من التحديات الإنسانية التي تتطلب اهتمامًا عاجلًا من قبل السلطات. فمع عدم توفر مساكن دائمة للسكان، تتفاقم الأوضاع الصحية والاجتماعية، ويزداد الضغط على الخدمات المحلية.
على الرغم من تعهدات الحكومة المغربية بإنهاء عملية إعادة الإعمار بنهاية عام 2024، تشير المؤشرات الحالية إلى أن الطريق لا يزال طويلًا.
بطء وتيرة العمل، والتحديات اللوجستية، والاحتياجات الضخمة للسكان، تجعل من الصعب تصور أن هذه العملية ستُستكمل في الموعد المحدد.
من الواضح أن هناك فجوة بين التصريحات الحكومية والواقع الذي يعيشه المتضررون، إذ أن إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال في المغرب، لا تزال تواجه تحديات كبيرة، ورغم الجهود المبذولة، و يبدو أن التنفيذ على الأرض يتطلب مزيدًا من التنظيم والتخطيط، لضمان وصول الدعم إلى جميع المتضررين و لتحقيق الأهداف المعلنة، لا بد من تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني بشكل أفضل، ووضع آليات أكثر شفافية وفعالية.
وكانت أطلق فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بمراكش المنارة في وقت سابق، نداء استغاثة طالب من خلاله بـ”تسريع إعادة البناء، وانقاذ الساكنة المتضررة من زلزال الاطلس الكبير نتيجة الإهمال والتقاعس في انجاز المطلوب”.
وقالت الجمعية، ضمن بلاغ، صدر عنها في يوليوز انه “بعد أكثر من 10 أشهر على زلزال الاطلس الكبير الذي ضرب عدة اقاليم وضمنها مراكش، التي تضررت مدينتها العتيقة والمباني التاريخية وبعض المؤسسات العمومية بشكل واضح، لازال الوضع القائم ينذر بمزيد من التدهور مما يسبب معاناة حقيقة للساكنة المتضررة بالمدينة العتيقة وفي مقدمتها ساكنة ” الملاح” حي السلام حاليا”.
وذَكَرت الجمعية إنها “قامت بجولة في المدينة القديمة لمراكش، وتوصلت بإفادات تشير كلها إلى البطئ والاستخفاف في معالجة تداعيات الزلزال”، مؤكدة على “استمرار تكدس الركام والاتربة في أغلب الأحياء، وبداية تهالك الدعامات الخشبية تحت تأثير أحوال الطقس، وتوقف إزالة الركام من طرف الشركة الموكول لها هذه المهمة، وتحويل بعض المناطق بجانب السور التاريخي إلى مطارح لتجميع الركام”.
وأضافت الجمعية أنه سبق لها “التنبيه مرارا وتكرارا إلى احتمال انهيارات المباني الآيلة للسقوط وخطرها على السلامة البدنية للمواطنات والمواطنين، كما وقفت على فشل كل البرامج السابقة للزلزال وخصوصا برنامج تأهيل المباني الايلة للسقوط والذي عرف فشلا ذريعا وامتصاصا لأغلفة مالية لم تظهر نتائجها الايجابية على ساكنة المدينة العتيقة وسيدي يوسف بن علي، ناهيك عن فشل برنامج مدن بدون صفيح على مستوى مراكش، أما البرنامج الذي عمر لسنوات متجاوزا المدة المخصصة له على الأقل بسبع سنوات ” مراكش الحاضرة المتجددة” فلم يغير ملامح المدينة رغم الغلاف المالي الضخم المخصص له والمقدر ب6,3 مليار درهم”.
و أعلنت الحكومة، الاثنين الماضي، استمرار أعمال البناء في 49 ألفا و632 منزلا متضررا، فيما أكملت ألف أسرة إعادة بناء منازلها، بعد قرابة عام على وقوع زلزال الحوز.
جاء ذلك، خلال الاجتماع الحادي عشر للجنة الوزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، ترأسها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وفق بيان لرئاسة الحكومة.
وفي 8 سبتمبر 2023 ضرب زلزال بقوة 7 درجات مدنا بينها مراكش والحوز وشيشاوة ووارزات وتارودانت، مخلفا 2960 قتيلا و6125 مصابا، إضافة إلى دمار مادي كبير، وفقا لوزارة الداخلية.
ودعت اللجنة إلى ضرورة حث باقي الأسر المتضررة على تسريع أعمال إعادة بناء وتأهيل منازلها، حتى يتسنى لها الاستفادة من باقي دفعات الدعم.
اقرأ أيضا….
فيما يقترب زلزال الحوزمن إقفال السنة…الحكومة تقول إن البناء متواصل في 49 ألف منزل متضرر